أردوغان.. فوز يتكئ على عكاز الهزيمة
الانتخابات التركية جرت في ظل إعلان حالة الطوارئ وتكميم الصحافة والزج بآلاف المعارضين في السجون وسط شبهات تزوير.
أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الأحد، فوزه في الانتخابات الرئاسية المبكرة التي دعا إليها في مسعى لتفادي خسارة محققة العام المقبل؛ حيث كان يفترض أن يجري الاقتراع، بعد تردي الأوضاع الاقتصادية في البلاد وانهيار الليرة مقابل الدولار.
وتفادى أردوغان السقوط لكنه وصل إلى القصر الرئاسي على عكاز الهزيمة؛ فاستطلاعات الرأي التي سبقت العملية الانتخابية لم تترك مجالات للشك في تراجع غير مسبوق في شعبية الرئيس، هذا من دون الالتفات إلى الاتهامات التي أطلقتها أحزاب المعارضة بشأن التلاعب في أصوات الناخبين.
وحصل أردوغان على 52.5% من الأصوات في السباق الرئاسي بعد فرز أكثر من 99% من الأصوات متراجعا عن نتائج أول انتخابات رئاسية تعددية في تركيا عام 2014 حيث حصل حينها على 53.2% من إجمالي عدد الأصوات.
هل جرت انتخابات في تركيا؟!
وقبل إجراء الاقتراع لم تستبعد تقارير صحفية غربية أن يلجأ الرجل المأخوذ بأوهام السلطنة إلى تزوير الانتخابات في محاولة لإنقاذ مستقبله السياسي، لكن إعلام أردوغان قدم أقوى الأدلة على ذلك بنشر نتائج الانتخابات قبل يوم من إجراء الاقتراع.
وفي ظل إعلان حالة الطوارئ، وبعد عام من الزج بالآلاف من خصومه السياسيين في المعتقلات، وإحكام سيطرته على الإعلام إلى الحد الذي اعتبرت فيه تركيا السجن الأكبر للصحفيين، ذهب أردوغان إلى الانتخابات، من دون أن ينسى أيضا إعادة توزيع مراكز الاقتراع في المناطق المعادية له ولحزبه إلى قرى تدين له بالولاء.
وتحت الشروط غير العادلة لمنافسة ديمقراطية حقيقية يبدو أن أردوغان أُجبر على تزوير الانتخابات وفق اتهامات المعارضة ليؤسس حكمه الجديد على شرعية متآكلة، ليواجه مخاطر هبة شعبية تطيح بنظامه.
وكانت صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية قد أشارت إلى الوضع المعقد للرئيس التركي قائلة، في تقرير لها قبيل الانتخابات، إنه "حتى وإن نجح في الانتخابات فسيكون نجاحا على استحياء قابلا لإقامة ثورة حقيقية وإسقاط نظامه".
وحددت الصحيفة الفرنسية نقطة ضعف أردوغان وذكرته بما قاله أحد مستشاري الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون، حول أهمية الوضع الاقتصادي في البلاد للتحكم في اتجاه التصويت للانتخابات قائلا: "إنه الاقتصاد يا غبي".
صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية كانت قد لمّحت، في تقرير لها أيضا حول الانتخابات التركية، إلى الوضع المعيب الذي جرت خلاله الانتخابات قائلة المرشح الرئاسي صلاح الدين ديمرتاش من حزب الشعوب الديمقراطي المعارض كان عليه إدارة حملته الانتخابية من داخل السجن؛ حيث سجن بتهم سياسية لنحو عامين، إلى جانب كثير من مشرعينه والعشرات من مسؤولي حزبه.
وأضافت أنه بموجب حالة الطوارئ، أصبح التخويف السياسي أمرا اعتياديا في تركيا، وتعرض معارضو الحكومة لتهم بالإرهاب، وتم تقييد حرية التعبير والحق في التظاهر بشدة، حتى إن الشركات الموالية للحكومة تمتلك 90% من وسائل الإعلام؛ ما يجعلها تفرد لأردوغان عدد ساعات لا نهائية لإجراء لقاءات تلفزيونية أكثر من معظم منافسيه.
ومستندة إلى شبهات التزوير التي رافقت الاستفتاء على التعديلات الدستورية التي جرت العام الماضي، أشارت الصحيفة الأمريكية إلى مخاوف جدية لدى المعارضة من تكرار الأمر خلال الانتخابات، خاصة بعد تقديم الحكومة قانونا انتخابيا جديدا يسمح بقبول بطاقات الاقتراع التي لم تحصل على ختم رسمي، كما سيمنح القانون موظفي الحكومة حرية كبيرة في تحديد أي الأوراق يمكن قبولها.
وداعا للديمقراطية
ويقف أردوغان اليوم على المحك بعد نحو عقد ونصف العقد من الزمان، حكم خلاله تركيا بقبضة حديدية، عندما كان رئيسا للوزراء أولا، ثم عندما أصبح رئيسا للبلاد عام 2014، بعد أن تكفل خلال تلك السنوات بتحويل بلاده إلى مصدر إثارة للاضطرابات في الشرق الأوسط، وقوض كثيرا من البنية الديمقراطية الداخلية.
واستعد حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه أردوغان لترسيخ سلطته وتدشينه ديكتاتورا، فيما بدا كإشارة إلى صورية العملية الانتخابية، في ظل تمرير تعديلات دستورية العام الماضي تركز السلطات جميعها في أيدي الرئيس.
وتناولت الصحافة في تركيا مسودة البنية الحكومية في النظام الرئاسي التي أعدها حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، بعد أن عدل أردوغان الدستور العام الماضي استعدادا للحظة انفراده بالسلطة.
وتقترح المسودة دمج وزارات لينخفض عددها من 21 وزارة إلى 16 فقط، وتشكيل 5 مكاتب و9 لجان و7 مؤسسات سيادية تتبع الرئاسة مباشرة.
تقترح المسودة التي أعدها حزب العدالة والتنمية الحاكم إدراج 16 وزارة ضمن تشكيل الحكومة في ظل النظام الرئاسي، إلى جانب المكاتب التي ستتبع الرئيس وستتولى إدارة المجالات الاقتصادية المختلفة، وهي: التمويل والاتصالات، والموارد البشرية، والتكنولوجيا، والاستثمار.
ووفق التصور الجديد ستكون 9 لجان من مكونات مجلس الوزراء في ظل النظام الرئاسي هي لجان؛ سياسات العلوم والتكنولوجيا والتجديد، وسياسات التربية والتعليم، وسياسات الاقتصاد، والأمن والسياسة الخارجية، وسياسات القضاء، وسياسات الصحة والغذاء، والسياسات الاجتماعية، وسياسات الإدارات المحلية.
كما ستتشكل مؤسسات تابعة للرئاسة مباشرة هي مؤسسة رقابة الدولة، ومؤسسة الأمن القومي، ورئاسة المخابرات القومية، ورئاسة الأركان العامة، واستشارية الصناعات الدفاعية، ورئاسة الشؤون الدينية، ورئاسة السياسات الاستراتيجية والموازنة.