تعتبر إسرائيل واحدة من أهم خمس أسواق تسوّق فيها تركيا بضائعها.
قبل عِقد من الزمن، قررت تركيا بزعامة أردوغان أن تكون تجربة ناجحة في الانفتاح الاقتصادي والتجاري والسياحي، وبالفعل، كان لتركيا هذا خلال سنوات قليلة، حيث انفتح أردوغان على كل الجيران دون استثناء من دمشق إلى تل أبيب.
وكان أهم عامل من عوامل الانفتاح التركي، هو توسيع شبكة الطيران التركية لتشمل دولاً جديدة لا يصلها طيران "الجيران العرب"، وكان على رأس القائمة العاصمة الإسرائيلية "تل أبيب"، حيث تعتبر عائدات تركيا من رحلات "تل أبيب- إسطنبول" من أهم مواطن قوة أنقرة الاقتصادية؛ إذ تنفرد تركيا من بين كل الخطوط الجوية الشرق أوسطية بهذه الرحلة، كما أصبحت مع السنوات شركة الطيران التركي أكثر شركة ناشطة في مطارات إسرائيل، وعلى رأسها مطار بن جوريون بعد شركة النقل الوطنية الإسرائيلية "العال".
يبرع أردوغان بتغيير خطاباته لتتماشى مع المذاق العام للمتلقين إذ يستخدم أردوغان الرابطة الإسلامية وقضية فلسطين للاستهلاك الإقليمي مع العرب. أما الأتراك فلا يكلمهم إلا بلغة الاقتصاد واعداً إياهم بالمزيد من الأموال الآتية من الشراكة مع إسرائيل والمزيد من التجارة مع الغرب
وتنطلق يومياً 12 رحلة لـ"التركية للطيران" من تل أبيب إلى إسطنبول والعكس، في رحلة تعد الأكثر ربحاً على الإطلاق للخطوط التركية، إلا أن هذا ليس إلا جانباً صغيراً جداً من العلاقات التجارية العميقة بين البلدين، فعلى الرغم من الدعاية النازية والمعادية للسامية التي ينشرها تنظيم الإخوان، ويشجع عليها أردوغان الموصوف بـ"شريك تجاري موثوق من قبل إسرائيل"، حيث استمرت هذه العلاقة بالتطور باستمرار، دون أن تشهد لحظة تأزم حتى في ظل الهجوم الإسرائيلي على سفينة المساعدات التركية في العام 2010.
وتعتبر إسرائيل واحدة من أهم خمس أسواق تسوّق فيها تركيا بضائعها، حيث بلغت المبادلات التجارية بين البلدين في العام 2016 أكثر من 4.2 مليارات دولار لترتفع بنسبة 14% في العام 2017.
قبل أشهر، وعقب إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن القدس عاصمة لإسرائيل، قاد أردوغان عاصفة كلامية ضد الرئيس الأمريكي انتهت بدعوة أردوغان لقمة طارئة لمنظمة التعاون الإسلامي في إسطنبول، أعلنت تركيا بعدها اعترافها بالقدس الشرقية عاصمة للفلسطينيين.. مع العلم أن هذا الاعتراف والعاصفة الكلامية والقمة الطارئة لن يعيدوا الفلسطينيين لبيوتهم ما دامت الـ4.2 مليارات دولار من التبادلات التجارية بين تل أبيب وأنقرة لن تتقلص، وما دامت الطائرات التركية متعطشة لجني الأرباح عبر ابتزاز الآخرين؛ لئلا يقيموا أي علاقات مع إسرائيل، فتبقى تركيا المحتكر الرسمي لرحلة تل أبيب- إسطنبول، إضافة إلى باقي المميزات التجارية التي تحصل عليها من الشراكة مع إسرائيل التي تقاطعها معظم دول المنطقة، فيما لا تقدر إسرائيل على الاستمرار دون علاقة مع الجيران الذين لم تجدهم مرحبين أكثر من تركيا.
ولم تتوقف العلاقات الإسرائيلية التركية عند حدود التبادلات التجارية والتنسيق الأولي، بل هي علاقة نابضة بالحياة؛ حيث لا تجد إسرائيل في كل مرحلة شريكاً أقرب وأكثر وفاءً من تركيا لتعقد معها الشراكات التي تحتاجها في المنطقة، وكان آخر المشاريع المشتركة اتفاقاً وانسجاماً إسرائيلياً- تركياً حول استخراج الغاز الطبيعي المكتشف في المتوسط، والذي من المتوقع أنه يعادل احتياطي 150 عاماً، وقد يصبح بديلاً عن النفط الروسي الذي تشتريه أوروبا، وبمجرد وجود إسرائيل ضمن المطالبين بهذا الغاز تم إحراج دول لها أحقية فيه مثل سوريا ولبنان؛ بحجة عدم التطبيع مع العدو، ما دام استخراج هذا الغاز من المتوسط من حق كل دول الجوار، ولن يتم الحصول عليه دون التنسيق مع إسرائيل، الأمر الذي أتمته أنقرة بكل سلاسة.
كما اعتمدت تركيا على إسرائيل لتتوسط لها مع قبرص للسماح لخط الأنابيب التركي- الإسرائيلي بالمرور عبر أراضيها؛ كجزء من محاولاتها لجعل نفسها مركزاً دولياً لتجارة الطاقة.
وبالنظر إلى شعارات أردوغان وأهم خطبه السياسية أمام الجمهور التركي، لا ترى أي ذكر لقضية فلسطين، حيث يبرع أردوغان بتغيير خطاباته لتتماشى مع المذاق العام للمتلقين؛ إذ يستخدم أردوغان الرابطة الإسلامية وقضية فلسطين للاستهلاك الإقليمي مع العرب، أما الأتراك فلا يكلمهم إلا بلغة الاقتصاد، واعداً إياهم بالمزيد من الأموال الآتية من الشراكة مع إسرائيل، والمزيد من التجارة مع الغرب، أما الأمريكيون فيخاطبهم أردوغان من خلال تمثال كبير بطول يتجاوز المترين، ويقف عند البوابة الخارجية لسفارة تركيا في واشنطن وهو تمثال "أتاتورك"، ففي أمريكا وأمام صناع القرار الأمريكيين ورواد السفارة التركية، تركيا هي أتاتورك العلمانية المدنية الأقرب إلى الحضارة الغربية والقيم الأمريكية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة