أمام تزايد شبكة الجهاديين الأوروبيين في صفوف داعش وحتمية رجوعهم إلى أوروبا يزيد قلق القادة الأوروبيين من إدارة الموقف.
لن تتدخل فرنسا لصالح ميلينا بوغدير، المحكوم عليها بالسجن لمدة 20 سنة يوم الأحد في العراق، بسبب انضمامها إلى صفوف تنظيم داعش الإرهابي.
أحاطت فرنسا علما الأحد بحبس الفرنسية ميلينا بوغدير مدى الحياة في بغداد، لانضمامها إلى تنظيم داعش الإرهابي، لضمان احترامها "سيادة الولايات القضائية العراقية".
حيث قالت وزارة الخارجية الفرنسية "نلاحظ أن العملية القضائية لم تكتمل، وستتبع مسارها، وستواصل فرنسا احترام سيادة المحاكم العراقية والسلوك المستقل للإجراءات القضائية" .
وكان وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان قد صرح الخميس الماضي بأن الفرنسية ميلينا بوغدير "إرهابية من داعش قاتلت ضد العراق"، لذلك يجب أن تحاكم في هذا البلد. وقال لودريان للشبكة الإخبارية "إل سي آي"، إن "السيدة بوغدير مقاتلة، فعندما يذهب أحد إلى الموصل شمال العراق في 2016، فهذا من أجل أن يقاتل، ولذلك تحاكم في المكان الذين ارتكبت فيه ممارساتها".
كثير من الأصوات الأوروبية من أحزاب وجمعيات الدفاع عن ضحايا الإرهاب تنادي بترك هؤلاء الإرهابيين أمام المحاكم العراقية واحترام أحكامها، ولا يزعجها تطبيق حكم الإعدام وتنفيذه في حقهم.
وأضاف: "هذا هو المنطق الطبيعي. قاتلت ضد الوحدات العراقية، لذلك تحاكم في العراق". وتابع أن بوغدير "يتم الدفاع عنها، ونعمل على أن تتابع قنصليتنا وضعها، لكن يجب أن يصدر القضاء العراقي حكمه على إرهابية من داعش قاتلت ضد العراق".
وكانت ميلينا بوغدير أوقفت صيف 2017 في الموصل التي كانت "عاصمة" تنظيم داعش الإرهابي، وقد حكم عليها في فبراير/شباط بالسجن 7 أشهر بعد إدانتها بالدخول إلى العراق بطريقة غير مشروعة، وكان يفترض أن يتم إبعادها إلى فرنسا.
من بين المقدمين إلى القضاء العراقي المئات من الفرنسيين، والبلجيكيين، والألمان، وعناصر إرهابية أخرى من دول البلقان وروسيا.. بعض المقاتلين الباقين على قيد الحياة، ولكن في الغالب الآلاف من النساء والأطفال، استولوا بشكل رئيسي في الموصل، حيث يخاطر البالغون بعقوبة الإعدام شنقاً بعد محاكمة في المحاكم الجنائية.
أمام تزايد شبكة الجهاديين الأوروبيين في صفوف داعش وحتمية رجوعهم إلى أوروبا يزيد قلق القادة الأوروبيين من إدارة الموقف، فلقد أعرب رئيس البرلمان الأوروبي أنطونيو تاياني، عن قلقه من العدد الكبير من "الإرهابيين الأجانب" العائدين إلى أوروبا من سوريا والعراق.
وقال تاياني للصحفيين في صوفيا، عقب اجتماع مع المشاركين في قمة الاتحاد الأوروبي وغرب البلقان: "العديد من المقاتلين الأجانب يعودون إلى أوروبا ويعودون إلى البلقان وكوسوفو وغيرهما".
ووفقا لتاياني، فإن هناك أيضا "العديد من الجهاديين من البلدان الأخرى الذين يذهبون إلى البوسنة والهرسك". وفي هذا الصدد، أشار إلى أهمية دعم "الإسلام المعتدل" في أوروبا، الذي تعده سلطات الاتحاد الأوروبي بمثابة مضاد للإسلام الراديكالي.
وتتضارب تقديرات عدد المقاتلين من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي الذين انضموا إلى صفوف التنظيم الإرهابي "داعش" من 5 آلاف مقاتل على حسب تصريح منسق الاتحاد الأوروبي لمكافحة الإرهاب جيل دي كورتوفا، إلى أكثر من 10 آلاف مقاتل على حسب تقديرات جهات مختصة أخرى.
ووفقا للخبراء، فإن من المرجح أن بعض المتشددين قد لقوا حتفهم في المعارك بالعراق وسوريا.
لذا كثير من الأصوات الأوروبية من أحزاب وجمعيات الدفاع عن ضحايا الإرهاب تنادي بترك هؤلاء الإرهابيين أمام المحاكم العراقية واحترام أحكامها، ولا يزعجها تطبيق حكم الإعدام وتنفيذه في حقهم.
إلا أن لوبيات نشطاء حقوق الإنسان والمحامين قلقون بشأن العدالة العراقية، مبهمة، لا يمكن التنبؤ بها وأنها لا تحترم - على حسب زعمهم - المواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان ومنها حقوق المسجونين. ومن الجانب الآخر، يشعر العراقيون بالقلق من هذا التحدي، ويدعون شرعيتهم في الحكم على الإرهابيين الأوروبيين الذين ارتكبوا بعض أسوأ الجرائم ضد السكان.
لذا يقع الساسة الأوروبيون في حرج أمام قوة هذه اللوبيات، مما دفع بوزير خارجية فرنسا جان إيف لودريان إلى القول إننا لا نميل إلى التدخل في الأحكام، لكننا ندين عقوبة الإعدام، و"نأمل ألا تطبق في العراق"، مشيرا إلى أنه أبلغ السلطات العراقية بذلك خلال زيارته إلى بغداد في فبراير/شباط الماضي. وكانت المحكمة الجنائية العراقية أصدرت في 17 أبريل/نيسان الحالي، حكما بالسجن المؤبد بحق الجهادية الفرنسية جميلة بوطوطعو بعد إدانتها بالانتماء إلى تنظيم داعش، خلال محاكمة جرت في بغداد، حيث ادعت بأن زوجها خدعها.
وحكمت محاكم بغداد منذ بداية العام الحالي على أكثر من 300 من الجهاديين الأجانب بالإعدام أو السجن مدى الحياة.
بين طلب ضحايا الإرهاب الذي شهدته عواصم أوروبية: باريس وبروكسيل ولندن برلين وغيرها باحترام القضاء العراقي، وتنفيذ أحكام الإعدام على منتسبي الجماعات الإرهابية المسلحة وبين أصوات الحقوقيين الذين يطالبون بإرجاع الإرهابيين وأفراد عائلاتهم إلى ديارهم الأوروبية حتى لا يتحولوا إلى قنابل موقوتة، كما صرح بذلك الرئيس الفرنسي ماكرون، يحذر كثيرون من التعامل الساذج مع قضية العائدين من داعش، لأنه لا تزال اعتداءات 2015 ماثلة في الأذهان، التي شارك في تنفيذها "عائدون" من سوريا.
فلقد حذر النائب العام الباريسي فرنسوا مولانس الجمعة الماضي من التعامل "بسذاجة" مع الموضوع.
وقال لإذاعة "فرانس إنفو": "لم ألحظ لدى عودة البعض ندما فعليا فيما سمعته. لقد تدرب بعضهم على استخدام السلاح ونداءات الجهاد توجه في الوقت نفسه إلى النساء والقاصرين".
فهل سيتعظ الساسة الأوروبيون بأنه ليس هناك أي فرصة لتوبة الإرهابيين؟ وعليهم الاستفادة من فشل كثير من مبادرات "المراجعات الفقهية" للجماعات التكفيرية بالوطن العربي؟
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة