لهذه الأسباب.. تراجع حجم الجيوش الأوروبية بعد الحرب الباردة

خلال الحرب الباردة، كانت الجيوش الأوروبية مسلحة تسليحا جيدا وقادرة على خوض صراعات طويلة.
لكن نهاية الحرب الباردة، رافقتها تحولات جذرية على صعيد الجيوش الأوروبية، حيث تراجع حجمها وتم خفض ميزانياتها الدفاعية بشكل كبير، وفقا لموقع "ذا كولكتور" المعني بالتاريخ.
كان هذا التغيير نتيجة لعدة عوامل، أبرزها زوال التهديد السوفياتي، والاعتماد المتزايد على الولايات المتحدة في توفير الحماية عبر حلف الناتو، بالإضافة إلى الأزمات الاقتصادية التي دفعت العديد من الدول الأوروبية إلى تقليص إنفاقها العسكري.
وقد أعادت الأحداث الجيوسياسية الأخيرة، مثل الحرب الروسية في أوكرانيا، تسليط الضوء على أهمية إعادة بناء القدرات العسكرية الأوروبية، مما أثار جدلًا واسعًا حول الأولويات الأمنية والإنفاق الدفاعي في القارة.
الجيوش الأوروبية خلال الحرب الباردة
شهدت الحرب الباردة مواجهة كبرى بين حلف شمال الأطلنطي الناتو المدعوم من واشنطن وحلف وارسو المدعوم من موسكو، ونتيجة لخشية الغرب من انتشار الشيوعية، خاصة بعد سيطرة الاتحاد السوفيتي على أوروبا الشرقية، استثمرت الولايات المتحدة بشكل كبير في إعادة بناء جيوش الحلفاء السابقين والمحتلين، مثل الجيش الألماني (البوندسفير) الذي تأسس عام 1955 بتمويل وتسليح أمريكي، ليصبح قوة عسكرية كبرى.
كان هناك تردد في مواجهة المعسكر الشرقي عسكريًا، كما حدث خلال سحق الاتحاد السوفياتي لانتفاضتي المجر (1956) وتشيكوسلوفاكيا (1968)، حيث لم يتدخل الناتو عسكريًا.
ومع ذلك، حافظت الدول الأوروبية على ميزانيات دفاعية مرتفعة بسبب الصراعات الاستعمارية، مثل حرب البرتغال الطويلة في إفريقيا، التي أدت إلى حالات واسعة من الفرار من الخدمة العسكرية.
أما دول حلف وارسو، فقد اعتمدت بالكامل على المعدات السوفياتية وكانت تنفق ما بين 4-9 في المائة من ميزانياتها على الدفاع، مقارنة بـ 2-5 % فقط في دول الناتو.
وكان هذا يعكس الثقة الأوروبية في الردع النووي البريطاني والفرنسي، إلى جانب التزام الولايات المتحدة بحماية أوروبا.
الناتو في التسعينيات وأوائل الألفية
أدى انهيار الاتحاد السوفياتي وحلف وارسو إلى تغيير جذري في المشهد الأمني للناتو.
وأصبحت التهديدات التقليدية أقل أهمية، وركزت الدول الأوروبية على عمليات حفظ السلام ومكافحة الإرهاب، خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001.
وأرسلت معظم دول الناتو قوات إلى أفغانستان، مما جعل الجيوش الأوروبية تعيد هيكلة ميزانياتها لصالح العمليات غير التقليدية، كما قلل الأعضاء الجدد في الناتو من إنفاقهم الدفاعي، مفضلين الاستثمار في الخدمات الاجتماعية.
أسباب تقليص حجم الجيوش الأوروبية
الأزمات الاقتصادية؛ حيث فرضت أزمة الركود العالمي سياسات تقشفية، ما أدى إلى خفض ميزانيات الدفاع.
وإلغاء التجنيد الإجباري الذي أدى خفض تكاليف التدريب والبنية التحتية، لكنه قلص عدد الجنود المتاحين، والتصور السلبي للجيوش في بعض الدول مثل بولندا وإسبانيا واليونان، حيث كانت الجيوش تُنظر إليها كرمز للأنظمة الديكتاتورية السابقة.
كما جعلت التهديدات الإرهابية من الإنفاق على الأمن الداخلي أكثر أهمية من تجهيز الجيوش لحروب تقليدية. وعزز الاعتماد على الولايات المتحدة شعور الأوروبيين بأن واشنطن ستظل توفر الحماية العسكرية.
التطورات الأخيرة
بعد غزو روسيا لأوكرانيا عام 2014، بدأ العديد من الدول الأوروبية في زيادة ميزانياتها الدفاعية. وارتفع الإنفاق العسكري الروسي بشكل كبير منذ عام 2000، مما دفع أوروبا لإعادة بناء قدراتها الدفاعية. ومع ذلك، لا تزال بعض الدول متأخرة في تحقيق نسبة 2 % من الناتج المحلي الإجمالي التي يطالب بها الناتو.
وعندما بدأت الحرب في أوكرانيا، واجهت الدول الأوروبية صعوبة في تقديم مساعدات عسكرية كبيرة لكييف دون الإضرار بأمنها.
ومع زيادة الإنتاج العسكري ورفع الميزانيات، أصبحت أوروبا أكثر قدرة على دعم أوكرانيا. وبرغم ذلك، لا تزال النقاشات مستمرة حول ما إذا كان يجب خفض الإنفاق الاجتماعي لصالح الدفاع، وزيادة حجم قوات الجيش وهو قد يستغرق عقودا.