هذه الدورة لقمة مجموعة العشرين أعطت انطباعاً مبهراً عن المملكة لدى الدول الأعضاء والمنظمات والمراقبين على مستوى العالم.
لا شك في استثنائية هذه الدورة لقمة مجموعة العشرين ليس فقط لأنها عقدت عبر وسائل الاتصال الإلكتروني، بل لأن ذلك الانعقاد بهذه الطريقة والقمة بأكملها أتت في ظروف غير مسبوقة نظراً لما يعانيه العالم من تداعيات جائحة كورونا وتأثيرها على الجوانب الصحية والاقتصادية والاجتماعية في جميع دول العالم. وقد بدأت المملكة العربية السعودية فعلياً بتوليها رئاسة هذه الدورة في الأول من ديسمبر 2019م، ولكنها لم توفر الوقت دون استثماره الاستثمار الصحيح لإنجاح هذه الدورة التي توّجت في قمة الرياض، والتي ستستمر المملكة في رئاستها وأعمالها إلى أن تسلمها للرئيس القادم إيطاليا في بداية عام 2022م. لقد عقدت المملكة منذ تلك اللحظة حتى تاريخ قمة الرياض أكثر من 100 حدث واجتماع ومؤتمر دولي على مستوى الوزراء والمسئولين المعنيين وممثلي المجتمع المدني، بما في ذلك مجموعات التواصل وهي: مجموعة الأعمال B20 ومجموعة الشباب Y20 ومجموعة العمال L20 ومجموعة الفكر T20 ومجموعة المجتمع المدني C20 ومجموعة المرأة W20 ومجموعة العلوم S20 ومجموعة المجتمع الحضري U20.
ومع هذه الظروف الصعبة قامت المملكة بتحرك سريع لبحث مستجدات جائحة كورونا وتنسيق الاستجابة المطلوبة، حيث دعا خادم الحرمين الشريفين في مارس الماضي لعقد قمة استثنائية وعاجلة، وهي أول مرة تعقد قمتين على مستوى القادة والرؤساء في نفس العام، وقد نجحت تلك القمة الاستثنائية بالخروج بعدة قرارات، منها تقديم الدعم الكامل لمنظمة الصحة العالمية والعمل على ضمان التمويل الملائم لاحتواء الجائحة، وإقرار إجراءات سريعة وغير مسبوقة لحماية الأرواح وسبل المعيشة والفئات الأضعف. حيث قامت الدول الأعضاء بناءً على تلك القمة بضخ 21 مليار دولار لدعم الجهود العالمية في التصدي لهذه الجائحة، كما تم الاتفاق على إعادة هيكلة ديون 73 دولة فقيرة لكي لا تتفاقم هذه الديون وتصل هذه الدول لمرحلة العجز والإفلاس، وقد كانت خطوة غير مسبوقة رحب بها الصندوق الدولي، ووصفه وزير المالية الياباني على سبيل المثال بأنه اتفاق تاريخي، كما حثت مجموعة العشرين الدائنين من القطاع الخاص للقيام بخطوات مماثلة مع هذه الدول. كذلك قامت بعض الدول الأعضاء في قمة العشرين بمبادرات فردية لدعم جهود التصدي لهذه الجائحة فالمملكة على سبيل المثال تبرعت بنصف مليار دولار لمنظمة الصحة العالمية من أجل هذا الغرض، والصين تقدمت بإعفاءات لمدفوعات ديون الدول الناشئة تصل لملياري دولار، بينما دفعت ألمانيا أكثر من نصف مليار يورو لدعم أبحاث وتوزيع لقاحات كورونا. هذا ناهيك عن ما تكبدته هذه الدول في داخلها لما يقارب 11 تريليون دولار في اتخاذ التدابير الاستثنائية لدعم اقتصاديتها ومؤسساتها ومجتمعاتها. ومن أبرز إنجازات هذه القمة هو التأكيد على ما يتعلق بتعزيز التأهب والمواجهة لأي جوائح أو أوبئة قادمة والتعامل معها بجاهزية عالية وهذا ما تطرقت له كلمة خادم الحرمين الشريفين، حيث عقدت قمة مصاحبة مخصصة لهذا الموضوع تحت عنوان "التأهب والتصدي للأوبئة". والحقيقة لعل من إيجابيات هذه الجائحة أنها عززت قيمة التضامن والتعاون العالمي لمجابهة مثل هذه الأزمات العالمية التي تمس كل فرد يعيش على وجه هذه الأرض.
لقد انطلقت هذه الدورة لقمة مجموعة العشرين تحت رئاسة المملكة بهدف عام يحمل شعار: اغتنام فرص القرن 21 للجميع. وعادة تسير قمم المجموعة في مسارين: الأول، قضايا السياسة المالية والنقدية كالاقتصاد العالمي، والبنية التحتية، والرقابة على النظم المالية، والشمول المالي، والهيكل المالي الدولي، والضرائب الدولية. والمسار الثاني، القضايا الاجتماعية والاقتصادية، كالزراعة، ومكافحة الفساد، والمناخ، والاقتصاد الرقمي، والتعليم، والعمل، والطاقة، والبيئة، والصحة، والسياحة، والتجارة والاستثمار. ولكن نظراً لاستثنائية هذه القمة فقد أضيف لما سبق تحملها مسئولية معالجة تبعات جائحة كورونا وضمان وصول اللقاح إلى جميع الشعوب بشكل عادل وبتكلفة ميسورة. كما بحثت قضايا مهمة وآنية تتطلب تحرك جدي تجاهها مثل: ملف التجارة العالمية وكيفية العودة لما قبل الآثار السلبية التي سببتها الحرب التجارية في عهد الرئيس ترمب. وملف سلاسل الإمداد الدولية المتعلقة بالغذاء والدواء والاحتياجات الإنسانية الأساسية، وكيفية تسهيلها في ظل الظروف الحالية المتعلقة بالطيران والنقل واللوجستيات المشتركة، وضرورة التحرك لفتح الاقتصاد واستعادة تعافيه. كذلك ملف المناخ والحفاظ على البيئة وحمايتها، وخلق اقتصاد أكثر استدامة، ومنه الاقتصاد الدائري للكربون. وهذه أمور كلها تم بحثها وذكرها في أغلب كلمات قادة القمة وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين.
تميزت هذه القمة أيضاً بحرص المملكة على دعوة منظمات ودول إقليمية كصندوق النقد العربي والبنك الإسلامي للتنمية، ودولة الإمارات العربية المتحدة التي ترأس الدورة الحالية لمجلس التعاون الخليجي، وفيتنام رئيسة رابطة دول جنوب شرق آسيا، وجنوب أفريقيا رئيسة الاتحاد الأفريقي، ورواندا لرئاستها الشراكة الجديدة لتنمية أفريقيا، والسنغال. ودول بصفة ضيف وهي: الأردن وسويسرا وسنغافورة وأيضاً اسبانيا وهي ضيف دائم. إضافة طبعاً للمنظمات الدولية المساهمة في عمل المجموعة كصندوق النقد الدولي، مجموعة البنك الدولي، منظمة التجارة العالمية، منظمة العمل الدولية، منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، مجلس الاستقرار المالي، منظمة الصحة العالمية، منظمة الأغذية والزراعة، والأمم المتحدة.
نرى بأن هذه الدورة لقمة مجموعة العشرين أعطت انطباعاً مبهراً عن المملكة لدى الدول الأعضاء والمنظمات والمراقبين على مستوى العالم، خاصة في ظل هذه الظروف الاستثنائية الغير مسبوقة والغير متوقعه. كما ساهمت في رفع أسهم السعودية عالمياً، والفخر بها عربياً وإسلامياً، فالمملكة تعيد تأكيد دورها القيادي والمحوري والريادي على مستوى الشرق الأوسط والعالم. فما تحقق من نجاحات وإنجازات لمسنا أثرها على ألسن قادة الدول في تقديمهم عبارات الشكر والثناء من خلال كلماتهم في القمة، كانت على أيدي شباب وشابات وخبراء سعوديين، استطاعوا أن يثبتوا قدراتهم الشخصية والعلمية والمهنية والتقنية في مختلف المجالات التقليدية والحديثة، وبكل تفاني ووطنية، وأن يتفوقوا في أدائهم على أقرانهم من دول سبقتنا لعقود في مضمار المدنية الحديثة والتقنية المتقدمة والبحث العلمي.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة