خبراء: قرار المركزي المصري رفع الفائدة 2% لن يكبح جماح التضخم
في خطوة مفاجئة رفع البنك المركزي، مساء أمس الأحد، سعر الفائدة تماشيا مع توصيات صندوق النقد الدولي وسط شكوك حول جدوى القرار.
فاجأ البنك المركزي مجتمع الأعمال، مساء أمس الأحد، بقرار رفع سعر الفائدة بواقع 2% دفعة واحدة، ليصل سعر العائد على الإيداع إلى 16.75%، بينما سجل سعر الإقراض 17.75% لليلة الواحدة، في خطوة وصفها مصرفيون وخبراء استثمار بأنها غير متوقعة.
ويأتي قرار لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي بعد أقل من أسبوعين من مغادرة بعثة صندوق النقد الدولي لمصر، والتي ناقشت خلالها الإجراءات التي اتخذها البنك المركزي والحكومة، تنفيذاً لبرنامج الإصلاح الاقتصادي، تمهيداً لصرف الشريحة الثانية من قرض النقد الدولي لمصر بقيمة 1.25 مليار دولار.
وسبق الزيارة تصريحات لكبار مسؤولي صندوق النقد الدولي تنادي بضرورة معاجلة التضخم كأولوية أساسي، حيث سبق أن أكد جهاد أزعور، رئيس صندوق النقد الدولي لمنطقة الشرق الأوسط، أن أسعار الفائدة هي الأداة الصحيحة للحد من التضخم.
ودافع البنك المركزي المصري عن قراره في بيان صحفي، أمس، بتأكيده أن قراره السابق في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، برفع الفائدة 3% ساهم في امتصاص فائض السيولة قصيرة الأجل، ولكنه غير كافٍ لخفض التضخم إلى 13% خلال الربع الأخير من 2018، مع إعطاء هامش 3% زيادة أو انخفاض عن هذا المستهدف، ما استلزم زيادة الفائدة 2%.
ولكن على الجانب الآخر، توقع مصرفيون وخبراء استثمار، أن يواصل معدل التضخم ارتفاعه، خاصة بعد أن قفز معدل التضخم السنوي من 14% في أكتوبر /تشرين الأول 2016، قبل تحرير سعر صرف الجنيه إلى 32.9% في إبريل/نيسان الماضي، بحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
غير مُجدٍ مع التضخم المصري
ومن جانبه، أكد هاني توفيق، الرئيس السابق للجمعية المصرية للاستثمار المباشر، عدم جدوى رفع سعر الفائدة لتحجيم معدل التضخم، نظراً لأنه ليس نابعاً عن زيادة في الطلب بل إنه ناتج عن زيادة سعر الدولار، إثر قرار تحرير الجنيه، ومن ثم ارتفاع مكونات الإنتاج التي صبت في النهاية في ارتفاع أسعار السلع والخدمات.
وشدد على أن التضخم التقليدي يكون مدفوعاً بانتعاش اقتصادي وزيادة في حجم الطلب، ولكن الوضع ليس كذلك الآن في مصر، بل نعيش موجة تعرف بـ"الركود التضخمي".
ويعرف الركود التضخمي بأنه حالة ضعف للنمو الاقتصادي مصحوباً بارتفاع الأسعار دون أن يقابله ارتفاع في الطلب.
وبرأي توفيق فإنه يمكن مواجهة هذا النوع من التضخم عبر آليات تقليل الطلب على السلع المستوردة، بهدف تخفيف الضغط على النقد الأجنبي، وذلك سواء عبر تقليل الاستيراد أو رفع الرسوم الجمركية.
رفع تكلفة تمويل الشركات
وهناك أبعاد أخرى لقرار رفع الفائدة بمعدل 2%، أبرزها أن تكاليف تمويل توسعات الشركات ستكون مرشحة للزيادة سواء في حالة الاعتماد على التمويل المصرفي أو حتى التمويل الذاتي، الذي يترقب عائد أعلى من متوسط عائد الودائع.
وهو ما فسره أيمن أبوهند، رئيس قطاع الاستثمار المباشر بشركة كارتل كابيتال بقوله، "إن أداة رفع الفائدة في التوقيت الحالي تعد كلاسيكية ولا تناسب الأوضاع، لأنها ببساطة ستزيد من تكلفة اقتراض الشركات، خاصة أن أغلبها حصل بالفعل على قروض مربوطة بسعر الفائدة الأساسي، ما يعني أن الشركات ستمرر التكلفة الزائدة إلى المستهلك النهائي".
وأضاف أبوهند: "هذه الزيادة المرتقبة في الأسعار ستحجم حجم الطلب ما يؤدي في النهاية إلى ضعف نمو الاقتصاد بشكل عام".
واتفق مع هذا الرأي الخبير المصرفي، محمد الباز، إذ أكد في تصريح مقتضب، أن "تسويق القروض في الفترة الراهنة يقوم على منح تسهيل ائتماني بفائدة 2% أعلى من سعر الكوريدور أو الفائدة الثابتة التي يقرها البنك المركزي، وبالتالي سيحصل المستثمرون على القروض بأسعار فائدة مرتفعة للغاية تصل إلى 19.5%".
وتطرح رؤى الخبراء احتمالية إعادة نظر شركات في دراسة جدوى مشروعاتها الجديدة بناءً على الأسعار الجديدة لتكلفة التمويل، ومدى الحاجة إلى إعادة تسعير المنتجات والخدمات وقدرة السوق على التفاعل مع الأسعار.
تكلفة الدين الحكومي
ولن تستثنى الحكومة المصرية من قرار رفع الفائدة، في ظل انعكاسها مباشرة على تكلفة تمويل عجز الموازنة والتي تعتمد بشكل أساسي على البنوك في تدبير احتياجاتها المالية.
وقد شهد الدين العام تضخماً ملحوظاً خلال السنوات الأخيرة حتى سجل 3.4 تريليون جنيه بنسبة تصل إلى 104% من الناتج المحلي الإجمالي بالموازنة العامة للدولة للعام المالي الجديد 2017/2018، وفقاً لما أعلنه وزير المالية المصري، عمرو الجارحي.
وعلى صعيد آخر، تواجه البورصة المصرية اختباراً صعباً لكون الودائع تمثل وعاء استثمارياً منافساً لها، وسيدفع رفع الفائدة عدداً من المستثمرين خاصة الأفراد إلى تصفية حصة من محافظهم المالية للاستفادة من الفائدة المرتفعة.
وهو ما أكده خبير الأوراق المالية محمد عسران بقوله "البورصة مرشحة لتكبد خسائر خلال تعاملات، اليوم الإثنين، على خلفية قرار رفع الفائدة، لأنه من الصعب تحقيق مكاسب ضخمة في وقتٍ قصير تعادل العائد المرتفع على سعر الفائدة".
وتابع: "إذا كان أمام المستثمرين الأفراد خيار بين المغامرة في البورصة أو الحصول على عائد يتجاوز 20% مضمون المخاطر سيكون بالطبع الودائع هي خيارهم الأفضل".