"العين الإخبارية" تحاور العالم المصري فاروق الباز الذي كشف أنه بدأ كتابة رحلته العلمية لتصدر في كتاب يحمل عنوان "أبولو وأنا"
يعدّ قامة معرفية نادرة، وصاحب كفاءة عالية ودراية واسعة في علوم الفضاء، إذ عمل مع وكالة "ناسا" ضمن برنامج التخطيط لاستكشاف القمر جيولوجياً واختيار مواقع الهبوط لبعثات "أبولو" .. إنه مدير مركز تطبيقات الاستشعار عن بعد في جامعة بوسطن بالولايات المتحدة الأمريكية، وعالم الفضاء المصري فاروق الباز.
وأكد الباز في حوارٍ مع "العين الإخبارية" ضرورة إنشاء مؤسسة تجمع المال من مصر والدول العربية وأمريكا وأوروبا، لتمويل مشروع "ممرّ التنمية" في مصر، البالغ تكلفته 23 مليار دولار، والذي يشمل خطوطاً طولية وعرضية، تُسهِّل ربْط المناطق وتطوير الأنشطة التجارية والصناعية والاقتصادية عموماً.
وأوضح أن فرصة تنفيذ المشروع الذي طرحه على الرئيس الراحل أنور السادات، تتعزّز بفضل رئاسة بلاده الاتحاد أفريقي حالياً، ما يضفي على "ممرّ التنمية" صبغةً قارية ويُوسِّع نطاقه عالمياً.
وقال الباز إن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي تبنّى المشروع ضمن برنامجه الانتخابي، داعياً الشباب إلى تحصيل العلم والمعرفة، والشغف بالابتكار والتميُّز. وذكر أنه بدأ توثيق مسيرته العلمية في كتاب يحمل عنوان "أبولو وأنا"، مُرجِّحاً إنهاء تأليفه قبل نهاية العام الجاري.
وأفاد بأن ظهور الثقوب السوداء مؤخراً يمثّل حدثاً مهماً، رجوعاً إلى رغبة علماء الفضاء في دراسة هذه الظاهرة، ومعرفة ماهيتها ومكانها.
في السياق ذاته، ثمّن الباز مشروع الفضاء الإماراتي، والقمر الصناعي "خليفة سات" الذي يمتاز بقدرته العالية في التصوير، إلى جانب اعتزام الإمارات إرسال سفينة تدور حول المريخ، بغية دراسة غلافه الجوي.
وتطرّق الباز أيضاً إلى قضايا سياسية، إذ وصف جماعة الإخوان الإرهابية بأنها مصدر تسييس الدين وتخريب التوافق في المجتمع المصري.
وفيما يلي نص الحوار
بداية، كيف استقبلتم خبر التقاط أول صورة على الإطلاق للثقب الأسود؟
هذا يعد حدثا مهما جدا لأن علماء الفلك أردوا منذ مدة طويلة دراسة ظاهرة الثقوب السوداء ومعرفة ماهيتها ومكانها، لذا سعدت جداً عندما رأيت الصورة لأنها توضح لنا تلك الظاهرة.
وأوضح أن الثقوب السوداء كلما اقترب منها شيء يختفي حتى لو كان ترابا، وهو ما يعني أن لدى هذه الثقوب جاذبية رهيبة لا نتصورها لابتلاع أي شيء بما في ذلك الضوء.
ما تقييمك لمشروع "مسبار الأمل" الفضائي الذي تعمل عليه دولة الإمارات؟
متفائل بمشروع الفضاء الإماراتي، لأن دولة الإمارات أول دولة عربية تعتمد على شبابها وتدعمهم، وهذا يعني أنها ترغب في تحقيق شيء كبير، وأن تثبت أن الشباب الإماراتي عظيم جدا، فالمشروع بصدد إرسال رائد فضاء إماراتي ليثبت أن الشباب في الإمارات يستطيعوا أن يكونوا رواد فضاء.
الإمارات لديها القمر الصناعي "خليفة سات" الذي يمتاز بقدرته العالية في التصوير، وفكرت في إرسال سفينة تدور حول المريخ لدراسة الغلاف الجوي للمريخ، كل هذا في رأيي يعني أن دولة الإمارات سوف تنجح نجاحًا باهرًا في مجال الفضاء، وتثبت للعالم أن العرب قادرون على تحقيق أشياء كثيرة بشبابها.
ليس هناك شك أن ما تقوم به الإمارات اليوم سيكون له صدى إيجابي.
*في رأيك ما الذي أهَّل دولة الإمارات لأن تصبح في هذه المكانة؟
لأنها بدأت بشكل صحيح، ولأن المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان كان رجلا عظيما، أذكر عندما انتهينا من برنامج أبولو تحدثت معه حول الرحلات، وكان يسأل أسئلة ذكية جدًا، وعندما وجدت لديه اهتماما بالغا أحضرت له أحد رواد الفضاء وكان يسأله أسئلة مثلًا كيف يمشي الإنسان على القمر خاصة أن الجاذبية مختلفة، وعندما قمنا برحلة فضاء أبولو، ذهبت له بصحبة رواد فضاء كي نحكي له نتيجة الرحلة الفضائية حول الأرض وكيف رأينا الصحاري العربية.
ما الانطباع الذي تركه لديك الشيخ زايد؟
المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رجل عظيم ومفكر ونبيه للغاية وعنده ذكاء فطري، باختصار الشيخ زايد من أعظم من قابلت في حياتي.
ممر التعمير لأفريقيا
حدثنا عن مشروع ممر التنمية في مصر الذي طرحته في ثمانينيات القرن الماضي؟
طرحت مشروع ممر التنمية بعد دراسة الصحراء المصرية على الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات، بهدف إنشاء طريق عالمي في صحراء مصر الغربية يمتد من ساحل البحر المتوسط شمالاً حتى بحيرة ناصر في الجنوب.
واقترحت إنشاء مناطق تتناسب مع سكان الدلتا والنيل لينتقلوا إليها بهدف التوسع في الإنتاج الزراعي والصناعي والتجاري، وتبدأ هذه المناطق من البلاد غربًا في المنطقة الموازية لغرب النيل بعدها ننشأ الممر الطولي من العلمين لحدود السودان كي يربطها ببعض وبالعالم الخارجي، وفي رأيي ضرورة أن يستمر الممر الطولي حتى يصل إلى جوهانسبرغ جنوب أفريقيا.
ما أهم العقبات التي واجهها المشروع؟
أولًا الخبراء أوضحوا أن المشروع يستغرق 10 سنوات، خمس سنوات للمحاور العرضية وخمس أخرى للطولية، وثانيًا التكلفة الكلية 23 مليار دولار لذا نريد أن يكون هناك مؤسسة لجمع الأموال من مصر والعالم العربي وفي الخارج من أمريكا وأوروبا للتمويل ثم الربح بعد ذلك.
هل ترى أن رئاسة مصر للاتحاد الأفريقي سيكون لها تأثير إيجابي في دعم مشروعكم؟
فرصتنا في مشروع التنمية أكبر مع رئاسة مصر للاتحاد الأفريقي هذا العام؛ لأننا سننشأ ممر التنمية لأفريقيا وليس مصر، والممر سيربط القارة بالعلمين، خاصة أن جنوب أفريقيا مليئة بالخطوط العرضية وليس بها خط طولي؛ ما يعني أن أي دولة في أوروبا أو آسيا تمر من هنا للذهاب لأفريقيا.
ذكرتم من قبل أن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي تواصل معكم بشأن المشروع، هل ثمة تطور في التنفيذ؟
قابلت الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عندما كان مشيرًا وأخبرني حينها أنه وضع ممر التنمية في برنامجه الانتخابي، وسألني عن إمكانية عمل الممر الطولي أولًا، قلت له تنفيذه يكون آخر شيء بعد تجميع المسارات العرضية.
هذا التواصل يعني أن الرئيس السيسي يعتقد أن ممر التنمية مشروع جيد، وبالتالي أنتظر لحين إعادة طرح الأمر من جانبه خاصة أني أعلم أنه مشغول حاليًا ولديه مسؤوليات ولا أقول إن ممر التنمية يجب أن ينفذ أولًا، بل له أولوية للمستقبل وننفذه عندما نكون قادرين.
للشباب: التعليم الذاتي والمثابرة
ما تقييمك للبحث العلمي في مصر؟
في عصر الرئيس السابق حسني مبارك لم يكن هناك دعم للبحث العلمي على الإطلاق، والدول التي تنجح في هذا المجال تصرف نحو 3% من ميزانيتها على البحث العلمي، والدول المتوسطة تصرف 2%، أما نحن نصرف أقل من نصف في المائة وهو أقل مما ينص عليه الدستور المصري، في رأيي يجب أن نرفع مستوى الدعم ونشجع البحث.
لو سنحت لك الفرصة كي تستحدث وزارة جديدة بمصر، ماذا ستكون؟
ستكون وزارة دعم الشباب، لأننا لو دعمنا الشباب سينفذ هو كل شيء ويجعلنا ننطلق بمشاريع عدة سواء فضاء أو غيره، هم من سيقررون ذلك، لا زلت أذكر عندما قمنا برحلة أبولو وأجرينا إحصاءً لمتوسط أعمار المجموعة القائمة بالرحلة للقمر، وجدنا أعمارهم 26 سنة.
ما رسالتك للشباب العربي بصفة عامة وللمخترعين خاصة؟
رسالتي للشباب العربي إياك والتوقف عن العلم والمعرفة، احذر أن تقول إنك تعلمت وانتهى الأمر، أي شيء تدرسه يعني أنك لا تزال في حاجة لمن يعلمك وعند حصولك على الشهادة فأنت في حاجة لتعليم نفسك.
أما شباب المخترعين أقول لهم أكملوا طريقك ولا تلتفت لمن يحاول تحطيمك، ولا تتوقف عن مسيرتك حتى لو لم يكن هناك تشجيع أو وسائل دعم أكمل الطريق واعتمد على نفسك.
ما رسالتك لجماعة الإخوان الإرهابية؟
جماعة الإخوان الإرهابية مجموعة "خربت الدنيا وخربت الاتفاق والتوافق الاجتماعي المصري"، وأقول لهم "عيب أن نسيئ لمصر وإظهار أنها خربانة"، ودعونا ندعم البلد كي تنهض مجددًا لأجل مستقبلنا.
"كان نعيش كمصريين بدون فرق، لا زلت أذكر أن مصر كان يعيش بها يهود، حتى أنا كان لدي صديق عزيز اسمه كوهين"، وتسييس الدين خطأ كبير لأن الدين علاقة بين الإنسان وربه، وأن يكون هناك ما يسمى بالإخوان المسلمين فهذا لا دخل له بالإسلام.
"أبولو وأنا"
هل فكرتم في كتابة رحلتكم العلمية؟
فعليا شرعت في كتابة رحلتي العلمية تحت عنوان "أبولو وأنا"، لأن شهرتي بدأت معه وكان أهم شيء في حياتي.
*متى يرى كتابكم النور؟
من المحتمل أن ينتهي قبل نهاية هذا العام.
الجميع يعرف فاروق الباز العالم، لكننا لا نعرف ما هواياته، هل يستمع للموسيقى وأيها يفضل؟
أحب القراءة وأمارس رياضة المشي.. وبالنسبة للموسيقى أسمعها دائما، أم كلثوم معي حتى وأنا أنفذ البرامج التخطيطية لبرنامج أبولو.
من هي الشخصية التي كان لها أكبر الأثر في حياة العالم الجليل فاروق الباز؟
أمي هي من أثرت في حياتي علمتني كيف أتعامل مع الناس وزرعت فيَّ حب العلم والمعرفة لأنه لم يكن لديها فرصة للتعلم، ورغم أنها لا تعرف القراءة ولا الكتابة لكنها أعظم خلق الله علمًا ومعرفة، وكذلك في المعاملات.
أذكر أنني أخذتها في رحلة لوكالة ناسا كي ترى بنفسها انطلاق الصاروخ وهناك سألت أسئلة ذكية جدا لم تخطر على بال مدير الوكالة.