"الذمم المالية".. مقصلة تجار غزة
ما بين إغلاق المنشآت، والملاحقة والسجن، هذا هو حال الكثير من التجار ورجال الأعمال الفلسطينيين في قطاع غزة اليوم.. والسبب؟
ما بين إغلاق المنشآت، والملاحقة والسجن، هذا هو حال الكثير من التجار ورجال الأعمال الفلسطينيين في قطاع غزة، في ظل التدهور الاقتصادي الذي ضرب جميع أركان الحياة في القطاع.
التاجر أحمد الذي اكتفى بذكر اسمه الأول روى لـ "العين الإخبارية" كيف تحول في غضون عام من تاجر وصاحب سلسلة محلات إلى ملاحق على ذمم مالية ونزيل سجون، بعد أن عجز عن تغطيات شيكات والتزامات مالية.
وقال أحمد "كان لدي ثلاث محال كبيرة للملابس النسائية في قطاع غزة، وأوفر أيضا بضاعة للتجار الأصغر، ولكن الأمور تدهورت في العام الأخير، وتراجعت الحركة الشرائية بشكل غير مسبوق، حتى تراكمت على الديون وعجزت عن الوفاء بالكثير من الشيكات، وفي النهاية وجدت نفسي ملاحقا وسجنت عدة أيام، حتى اضطررت لبيع محالي بأسعار مخفضة لألبي جزءا من الديون المتراكمة".
ويبدو أن ما واجهه أحمد، هو ظاهرة آخذة في الاتساع بقطاع غزة، الذي يعاني تحت سيطرة حركة حماس، من حصار إسرائيلي مشدد منذ عام 2007.
مواطن من كل 5 دخل السجن!
ووفق الدائرة الإعلامية بالشرطة في غزة، فإن عدد أوامر الحبس الصادرة في غزة عام 2017، على خلفية قضايا الذمم المالية والديون، بلغ 98 ألفا و314 أمراً، ومن بين كل خمسة مواطنين، يوجد مواطن دخل السجن بسبب قضية مالية، و90% من هذه الأوامر نتيجة تعثرات مالية حقيقية وليس قضايا نصب واحتيال.
ويؤكد مدير مركز الميزان لحقوق الإنسان، عصام يونس، أن عام 2017 سجل نحو 100 ألف من أوامر السجن على الذمم المالية، حيث تعرض العديد من التجار ورجال الأعمال للحبس بسبب الديون المتراكمة عليهم.
وأشار يونس في حديثه لـ "العين الإخبارية" إلى وجود تدهور اقتصادي حقيقي وخطير في قطاع غزة، حيث انخفضت الصادرات إلى أدنى نقطة لها لتسجل 2% خلال عام 2017، فيما قدرت قيمة الخسائر جراء استمرار الحصار بنحو 16 مليون دولار شهرياً.
ووفق التقارير الرسمية، تبلغ نسبة البطالة 46.6% بين القوى العاملة في قطاع غزة، وتجاوزت نسبتها في أوساط الشباب 60%، فيما تجاوزت 85% في صفوف النساء، وتكاد تكون البطالة في صفوف الخريجين شاملة.
وأكد يونس أن الانقسام الداخلي أفضى لكوارث حقيقية، ظل خلالها قطاع غزة خارج دائرة الفعل والتخطيط التنموي، فضلا عن التأثيرات المدمرة للحصار والحروب المتوالية على غزة.
الشيكات المرتجعة.. ناقوس الخطر
ويوضح الدكتور ماهر الطباع وهو خبير اقتصادي، ومدير الإعلام في الغرفة التجارية بغزة، أن عدد أوامر الحبس المعلنة من الشرطة، يصل إلى قرابة 100 ألف، وهو رقم غير مسبوق، ومرجعه تردي الوضع الاقتصادي في القطاع حيث يوصف عام 2017 بأنه الأسوأ.
وبيّن الطباع في حديثه لـ "العين الإخبارية" أن هذا الرقم لا يقتصر على التجار ورجال الأعمال، وإنما يشمل موظفين وحتى أوامر الحبس على خلفية النفقة العائلية، مشددًا على أن الرقم في كل الأحوال يعطي دلالة على حجم التدهور الاقتصادي الحاصل.
وأشار إلى أن قيمة الشيكات المرتجعة على سبيل المثال –وهي من موجبات الحبس على الذمم المالية- قيمتها وصلت إلى 112 مليون دولار، فيما تراجعت نسبة الواردات بنسبة 25 % على الأقل.
وبحسب البيانات الصادرة من سلطة النقد الفلسطينية، بلغ إجمالي الشيكات المرتجعة في قطاع غزة خلال عام 2017 نحو 112 مليون دولار وهي تمثل ما نسبته 9.7% من إجمالي الشيكات المرتجعة في فلسطين، مقابل 62 مليون دولار إجمالي الشيكات المرتجعة خلال عام 2016، وارتفاعا من 37 مليون دولار في عام 2015.
وقال الطباع: "هذه الأرقام الصادمة؛ لذلك أدق ناقوس الخطر، حيث إن حجم الشيكات المرتجعة غير طبيعي بالنسبة للاقتصاد الفلسطيني، وهي دليل واضح وقاطع على حالة الانهيار الاقتصادي الذي وصل له اقتصاد قطاع غزة.
الإجراءات العقابية
ويربط الخبير الاقتصادي سمير الدقران، بين زيادة قضايا الذمم المالية، وبين الإجراءات التي فرضتها السلطة على قطاع غزة، وترتب عليها خفض رواتب الموظفين، والتي أفقدت السيولة من السوق الغزي.
وقال الدقران لـ "العين الإخبارية" الإجراءات العقابية الأخيرة التي فرضتها السلطة الفلسطينية على موظفيها العام الماضي، بخصم نسبة من رواتبهم الشهرية، كان لها دور في تراجع الاقتصاد المحلي.
وفي أبريل/ نيسان الماضي، قضى أمر رئاسي فلسطيني بخصم 30% من رواتب الموظفين العموميين في قطاع غزة، تبعه تقاعد مبكر لأكثر من 7 آلاف عنصر أمن، بهدف الضغط على حماس لحل لجنة شكلتها لإدارة القطاع، واستمرت لاحقا للضغط عليها لتمكين حكومة الوفاق.
ويتفق الطباع مع الدقران، في تأثير هذه الإجراءات، موضحا أن نسب الخصم تراوحت بين 30 إلى 50%، بقيمة إجمالية تصل نحو 20 مليون دولار شهريا، ما يعني أن سوق غزة فقد منذ أبريل/ نيسان الماضي أكثر من 200 مليون دولار”.
ويعتمد اقتصاد غزة وأسواقه بشكل رئيس على رواتب الموظفين العموميين البالغ عددهم حتى نهاية 2016، نحو 58 موظفا مدنيا وعسكريا، يضاف إليهم 40 ألف موظف عينتهم حماس بعد الانقسام، يتقاضون 40% من رواتبهم بشكل غير منتظم.
aXA6IDMuMTQ1LjEwLjY4IA==
جزيرة ام اند امز