إعلام يتخبط.. هذا هو واقع معظم الإعلام العربي اليوم، وهو أمر لا يمكن إصلاحه من دون النظر بعين ثاقبة إلى الظروف السياسية المحيطة والتطورات التقنية وانعكاساتها.
فالمؤسسات التقليدية تئن، والصحفيون يئسوا وبحثوا عن وظائف أخرى، ومصادر المعلومات أصبحت تقتصر على صفحة على الإنترنت أو موقع من مواقع التواصل الاجتماعي.
وفي غمرة هذا الزحام، مطلوب اليوم (عربيًا) إعادة النظر في كيفية التعاطي مع الصحفيين ودمج الإعلام التقليدي بالحديث وخلق واقع جديد ينهض بمستوى إعلامنا ويقدم معلومات صحيحة للقارئ العربي؛ فالكيل طفح لغطًا وهرطقة بلا معنى، والتشريعات في معظم الدول العربية «غائبة» عن مواكبة التطورات الحديثة، أو أنها «غير مطبقة» بالمطلق.
وللأسف، فالشائعات تنتشر، وعبارات الكراهية تعج بها المنصات الرقمية، دون ضوابط أخلاقية، أو تطبيق القانون، وهو أمر لا ينطبق على مجتمع بعينه، فالمجتمعات بصورة عامة تعاني من انتشار هذه الآفة مما يشير إلى أهمية التوعية ويركز على ضروريتها، لا سيما من مؤسسات المجتمع المدني والصحفيين والإعلاميين والمؤسسات الأكاديمية.
الإساءات على منصة «إكس» مثالًا؛ وكأن مجتمعاتنا تعيش حالة من التناحر، علماً بأن المجتمعات العربية متسامحة، مما يطرح العديد من التساؤلات عن الغاية من هذا التراجع الأخلاقي الذي نشهده عليها، وهو ما يتطلب مصارحة وشفافية، لا سيما وأن الدول العربية وقعت العام 2010 اتفاقية خاصة بمكافحة الجرائم الإلكترونية، لكنها بقيت حبيسة الأدراج، وبقي التطبيق ضعيفًا ولا يُعول عليه.
لا يمكن إنكار هذا الواقع الصعب في الإعلام العربي عمومًا. لكن الأمل لا يزال قائمًا، شريطة أن تتضافر الجهود بين مختلف الأطراف المعنية.
وبالتالي، ولتحقيق إعلام واعٍ قادر على مواجهة التحديات، يجب اتخاذ خطوات جادة ومحددة.
إذ ينبغي تطوير التشريعات لتواكب العصر الرقمي وتفرض معايير صارمة لمكافحة الأخبار الزائفة وخطاب الكراهية، مع ضمان حرية التعبير ضمن إطار المسؤولية؛ فالتشريعات القوية، إذا طُبقت بفعالية، فإنها ستكون قادرة على الحد من الفوضى الرقمية ووضع قواعد واضحة للإعلام الجديد.
كما لا يمكن فصل أي خطة إصلاحية عن تطوير الكوادر الإعلامية؛ إذ يجب تدريب الصحفيين والإعلاميين على مهارات التحقق من المعلومات واستخدام أدوات التكنولوجيا الحديثة، مع التركيز على تعزيز أخلاقيات المهنة.
كما يجب أن تلعب المؤسسات الأكاديمية ومراكز التدريب الإعلامي دورًا أكبر في إعداد جيل جديد من الإعلاميين القادرين على تقديم محتوى موضوعي ومهني.
وليس هذا فحسب، بل يمثل التكامل بين الإعلام التقليدي والجديد أمرًا لا مفر منه؛ فبدلاً من النظر إلى وسائل التواصل الاجتماعي على أنها عدو، يمكن للمؤسسات الإعلامية استغلالها كأداة لنشر الأخبار الموثوقة والوصول إلى فئات أوسع من الجمهور.
وهذا التكامل يحتاج إلى استراتيجيات ذكية تستثمر في تقنيات التحليل الرقمي لفهم احتياجات الجمهور وتقديم محتوى يناسبها.
لا يمكن التغاضي عن دور الجمهور في تحسين جودة الإعلام، والتوعية العامة بضرورة التفكير النقدي عند استهلاك المعلومات، وتشجيع الجمهور على دعم المؤسسات الإعلامية ذات المصداقية، هو أمر يُعتبر من الحلول؛ فالمؤسسات المجتمعية والتعليمية يجب أن تعمل على تعزيز ثقافة التحقق من المصادر وتشجيع الحوار البناء بدلاً من الانجرار وراء الإثارة أو التناحر.
الإعلام الواعي ليس رفاهية، بل ضرورة لتعزيز الديمقراطية، ودعم الاستقرار الاجتماعي، ومواكبة التقدم العالمي.
وبدون إعلام مسؤول، سيظل المشهد ضبابيًا، وسيبقى المجتمع العربي رهينة للشائعات والانقسامات، ولهذا، فإن إصلاح الإعلام ليس مسؤولية المؤسسات وحدها، بل هو مهمة جماعية تتطلب تعاون الجميع من مجتمعات ومؤسسات وحتى دول.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة