«طوارئ جمهورية» وأجهزة جديدة.. فرنسا تستنفر في «المعركة» ضد الإخوان

في تحذير صارخ، هو الأشد منذ سنوات، قرع وزير الداخلية الفرنسي برونو ريتايو ناقوس الخطر، معلنًا حالة «طوارئ جمهورية» لمواجهة «تغلغل الإسلام السياسي بقيادة الإخوان» في مفاصل المجتمع الفرنسي.
خطاب ريتايو، الذي جاء في أعقاب تقرير صادم أُنجز بطلب من الإليزيه، لم يكن مجرّد تصريح سياسي، بل بداية هجوم مضاد تنخرط فيه الدولة بأجهزتها الاستخباراتية والإدارية، في معركة مرشّحة للتصعيد ضد من يرفض قيم الجمهورية.
- خلايا ناعمة.. كيف تغلغل الإخوان داخل بلديات فرنسا الكبرى؟
- خبراء لـ«العين الإخبارية»: «أنظمة إخوانية موازية» تهدد وحدة فرنسا
وبُعيد صدور تقرير صادم بتكليف من الإليزيه، لم ينتظر ريتايو طويلًا للرد، فأطلق سلسلة إجراءات مشددة شملت تعزيز الاستخبارات الميدانية، وتوسيع صلاحيات الخلايا المتخصصة، ووضع الجمعيات والمساجد تحت المجهر.
وبينما طلب الرئيس إيمانويل ماكرون تقديم مقترحات جديدة، بدا أن وزير الداخلية اختار المضي في خطته الخاصة، في ظل جدل متصاعد حول حدود الأمن والحريات في فرنسا.
ريتايو يطلق المواجهة
خلال مؤتمر صحفي الإثنين، أعلن ريتايو عن اتخاذ حزمة من التدابير لمكافحة الإسلام السياسي الذي يقوده تنظيم الإخوان، داعيًا في الوقت ذاته المحافظين إلى التحلي بإرادة سياسية واضحة.
ومن المنتظر أن يتسلم ماكرون خلال الأسابيع المقبلة «مقترحات جديدة» من ريتايو بشأن سبل التصدي لـ«التغلغل الإخواني».
وفي أعقاب مرور 5 أيام على صدور التقرير المتعلق بجماعة الإخوان، تحرّك الوزير لتنفيذ إجراءات ملموسة على الأرض.
وخلال زيارته إلى مقر محافظة أوت دو سين في نانتير، تعهّد ريتايو بجعل الدولة «أكثر فاعلية» في مواجهة الإسلام السياسي، بحسب ما نقلته شبكة «بي.إف.إم» الفرنسية.
وقال من مقر وزارة الداخلية (بوفو): «إنها معركة جمهورية يجب خوضها. لم يعد الإنكار ممكنًا»، مشددًا على أنّ تهديدًا حقيقيًا بات يطال الأمة الفرنسية.
تعزيز الرقابة الميدانية
ويطمح ريتايو إلى توسيع آلية قائمة أصلًا، هي «خلايا مكافحة الإسلام السياسي المتطرف» التي أُطلقت عام 2019، وتوجد في كل المقاطعات.
وتضم هذه الخلايا ممثلين عن مختلف مؤسسات الدولة، منها وزارات التعليم والصحة، وتهدف إلى «استهداف البيئات الإسلامية المتطرفة».
وتُعنى هذه الخلايا بإجراء «تشخيص لحالة الإسلام السياسي» في كل مقاطعة، وتجميع المعلومات، ومتابعة المخالفات المسجّلة، وفق ما ورد في موقع الأمانة العامة للجنة الوزارية لمكافحة الجريمة والتطرف.
ويعتزم ريتايو نشر خلايا معزّزة في المقاطعات الأكثر تأثرًا بما يسميه «التغلغل الإخواني»، بهدف تشديد الرقابة الميدانية، لا سيما في الأندية الرياضية والجمعيات الثقافية.
وأضاف الوزير: «تقدُّم الإسلام السياسي في فرنسا عميق، ويهدد تماسك أمتنا. قلّة فقط تنبّهت إلى ذلك».
مقترحات من ماكرون
يأتي هذا التحرك في إطار مواجهة ما يعتبره الوزير استراتيجية «التغلغل الهادئ» التي تنتهجها جماعة الإخوان منذ سنوات، وقد جرى تحليل هذه الاستراتيجية في تقرير طُلب من الرئيس ماكرون خلال ربيع 2024.
ويخلص التقرير إلى أن الجماعة تسعى إلى «اختراق» الهياكل الجمعوية والدينية، لكن اللجنة الدفاعية التي اجتمعت، الأربعاء الماضي، في الإليزيه لمناقشة النتائج، لم تُقنع الرئيس الفرنسي.
وأبدى ماكرون انزعاجه من كشف وزير الداخلية مضامين التقرير قبيل الاجتماع، كما لم يرضَ عن المسارات المقترحة، ما دفعه إلى مطالبة ريتايو بـ«صياغة مقترحات جديدة».
ورغم ذلك، بدا أن الوزير قرر المضي قدمًا في رؤيته، إذ أعلن بعد ساعات فقط من الاجتماع، ومن داخل مجلس الشيوخ، عن ضرورة «تنظيم أفضل للدولة» في مجال الاستخبارات.
استخبارات إقليمية بمهام موسّعة
وأعلن الوزير، الإثنين، عن تعبئة جهازين جديدين تابعين لوزارة الداخلية، في مقدّمتهما «الإدارة الوطنية للاستخبارات الإقليمية» برئاسة برتران شامولاو، والمكلّفة بتنبيه المحافظات عند وجود مؤشرات تطرف.
كما ذكّر بدور «إدارة الحريات العامة والشؤون القانونية»، وهي هيئة حكومية تُستدعى فرقها لتجميع الأدلة وتحضير الملفات، تمهيدًا لاتخاذ تدابير إدارية وقائية، بحسب صحيفة «لوفيغارو».
وتشمل هذه التدابير: «وقف الإعانات البلدية، إغلاق بعض المنشآت، أو إحالة بعض الأفراد إلى القضاء بتهم تتعلّق بالتحريض على الكراهية».
وستلعب المديرة باسكال ليغليز دور «النيابة الإدارية» لتقديم خبرة متخصصة في مجال «العرقلة الإدارية».
أوت دو سين.. نموذجًا للحزم
في تجسيد مباشر لتعليمات الوزير، عبّر محافظ إقليم أوت دو سين، ألكسندر بروجيير، عن استعداده لتكثيف الرقابة في منطقته، مستهدفًا «المتاجر، الجمعيات، وأماكن العبادة التي يُشتبه في وجود مؤشرات على أنشطة إسلامية سياسية أو ارتباط بعناصر إخوانية».
وكمثال على ذلك، أشار إلى قرار إغلاق مدرسة قرآنية مؤخرًا، بعد العثور فيها على ملصقات تُظهر أشخاصًا بالغين وأطفالًا بلا وجوه، وهو ما اعتبرته المحافظة «مؤشرًا على بيئة متطرفة».