مما نشرته، مؤخراً، وسائل الإعلام العالمية وباهتمام كبير، كان خبر ترؤس إيمانويل ماكرون مؤخراً لمجلس الدفاع الفرنسي، وهو عبارة عن مجلس وزراء مصغر وظيفته الأساسية مناقشة السياسة وقضايا الأمن الداخلي.
يهدف الاجتماع إلى بحث تقرير رسمي يكشف فيه تسلل أيديولوجي منظم يقوده تنظيم «الإخوان المسلمين» الإرهابي حيث يسيطر هذا التنظيم على 200 مركز ديني، و280 جمعية، ويستهدف هذا التنظيم إعادة تشكيل القيم داخل المجتمع الفرنسي من خلال خطاب ديني موجه للشباب.
كما يهدف الاجتماع أيضاً، إلى تقييم ما كشفه التقرير عن تمدد هذا التنظيم في المؤسسات الرسمية عبر التعليم والمراكز الثقافية والمساجد والساحات التي يجيد هذا التنظيم ممارسة فنه التخريبي فيها.
وإذا كان التحرك الفرنسي الجديد وهو الأكثر جدية من المرات السابقة، ما يعني أن فرنسا وأوروبا بأكملها ربما تنتقل في علاقتها مع "الإخوان" من حالة مراقبة سلوكيات التنظيم إلى حالة المواجهة بعد التيقن من مخاطره، فإن هناك صورتين رائعتين في التقرير تصبان في صالح جهود دولة الإمارات في ناحية مكافحة الفكر المتطرف على مستوى العالم وليس في الدول العربية فقط، وهاتان الصورتان الرائعتين هما:
الصورة الأولى: استجابة دولية لمساعي دولة الإمارات
فمواقف دولة الإمارات والتي اتسمت بـ"الشجاعة السياسية" ضد التطرف والإرهاب؛ التي منبعها الحقيقي تنظيم "الإخوان المسلمين" أفاقت العديد من دول العالم من غفوتهم حول مخاطر هذا التنظيم. وهذه الإفاقة وإن جاءت متأخرة؛ إلا أنها مهمة وضرورية فقبل فرنسا كانت المملكة الأردنية الهاشمية قد حظرت أنشطة الإخوان المسلمين بعدما كشفت نوايا "الإخوان" زعزعة استقرار الأردن.
فمثل هذا النوع من الجهود والعمل عادة يتم على مدد زمنية ويحتاج إلى تراكم الجهود لخلخلة الفكر والعقيدة "الإخوانية" المتصلبة، وفي هذه الناحية يحسب للإمارات تلك الاستمرارية والنفس الطويل الذي يراهن دائما "الإخوان" على انقطاعه ولكن لم يدركوا استراتيجية الإمارات في خدمة استقرار العالم.
ولا تقتصر تلك المواقف الإماراتية على الحكومات فقط، وإنما امتد تأثيرها لأن يتجرأ الناس على كسر "تابوه" مواجهة هذه الجماعة التي كانت تمارس ضغوطا على الحكومات والجماهير بفضل المتعاطفين معها، والكامنين من أتباعها من خلال استخدام وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي كما هو حال "كيزان السودان"؛ لذا فالمطلوب من حكومات العالم الاستمرار في هذا النهج وتنشيط هذه المواجهة لتحقيق الحياة الطبيعية للإنسان في العالم، لذا يُرجح من الحكومة الفرنسية التنسيق مع جوارها الأوروبي خاصة بلجيكا والسويد على تفعيل المواجهة ومحاربته لأن الأوروبيين عانوا من هذا التنظيم.
الكل في العالم (عربياً وغيره) بدأ يراجع تواجد هذه الجماعة أو التنظيم في مجتمعه بعدما أوهم العالم الغربي أنه النسخة المعتدلة من الإسلام المتطرف الذي ظهر في أحداث الحادي عشر من سبتمبر المعروفة مع أن من يراقب الوضع يجد كل الحركات الإسلامية المتطرفة منبعها واحد هو "الإخوان المسلمين".
والمراجعة التي تتم ليس في السلوكيات التي يمارسها التنظيم من خلال العمليات الإرهابية، ولكن الأهم تلك القدرة على فك "التغلغل" الذي يتم بشكل ناعم وخطير بين أفراد المجتمع كل حسب نوعية اهتمامه، فهو على سبيل المثال يستخدم المداخل الإيمانية في الدول العربية والإسلامية مثل: تعليم القرآن الكريم والعمل الخيري. في حين يركز على المداخل الإنسانية في المجتمعات الأوروبية، ويستمر في ممارستها إلى أن يحولها إلى "أغلال" يستخدمها لمن آمنوا بأفكاره.
الصورة الثانية: استعانة التقرير الفرنسي بجهود مركز "تريندز"
اللافت في المراجع التي استند إليه التقرير الفرنسي الذي عُقد الاجتماع بسببه هو ذكر اسم مركز "تريندز للبحوث والاستشارات"، والذي يتخذ من العاصمة الإماراتية أبوظبي مقراً له ولكنه ينشط في عدة عواصم عالمية، منها فرنسا وجنوب أفريقيا وغيرها من دول العالم، في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف ما يشير إلى أن هناك تعاونا بين المركز البحثي الإماراتي وبين معدي التقرير.
يُذكر أن فريقا من باحثي "مركز تريندز" كان قد عقد ثلاثة لقاءات مع مسؤولين في مجلس الشيوخ الفرنسي (الجناح الأقوى "البرلمان" أو الهيئة التشريعية) لمناقشة أساليب عمل هذا التنظيم وأساليب التغلغل في المجتمعات الإنسانية ومنها بالتأكيد المجتمع الفرنسي وخاصة تلك التي تتسم باستيعاب الأقليات الدينية والطائفية وتستغل قيم التسامح الغربي في التحايل منها لحين التمكن ومن ثم تكشف عن وجهها الحقيقي من خلال ممارسة الإرهاب
وهو ما يجعلنا أن نقول: إن ما تم لم يكن صدفة وإنما هو خلاصة عمل فكري جاد يقوم به باحثو "مركز تريندز" في محاربة التطرف والإرهاب في العالم؛ من خلال التواصل الفاعل مع الدوائر المساعدة في صناعة القرار في العواصم التي يتواجد فيها نشاط "الإخوان" ومعروف عن فرنسا أنها أصبحت أحد المراكز الأوروبية لتجمع "الإخوان" بعد التضييق عليهم في عدد من العواصم الغربية.
ويدفعنا هذا الاستناد البحثي لمركز إماراتي إلى التأكيد على إتقان فريقه البحثي آليات العمل السياسي الغربي الذي يعتمد على: الدراسات الميدانية والبحوث العلمية الجادة والموضوعية والمرتكزة على المعلومات وتحليلها بشكل عقلاني ومنطقي وكذلك القدرة على فهم طريقة التفكير الغربي وإقناعهم حول قضية معينة، خاصة إذا كانت تلك القضايا إنسانية وعادلة. فبعدما كان التباهي العربي بالمراكز الغربية بأنها مصدر مهم للمعلومات فإن تريندز هو الآخر يصدر المعلومة عن المنطقة التي يتواجد فيها وفي مجال الإرهاب والتطرف، وعادة ما تكون وجهة نظر أبناء المنطقة أكثر وضوحا.
إن التأثير على القرار السياسي الدولي له أبجديات خاصة بها ويعتبر العمل البحثي أهم تلك الأدوات، طبعاً بجانب العديد من الأدوات والسلوكيات الفكرية، لكن تبقى المراكز البحثية هي أفضل ما في هذا العمل، هذا الشيء الذي رأيناه في التقرير الذي تمت مناقشته في الحكومة الفرنسية في وجود مركز تريندز ضمن المراجع التي تم الاستعانة بها في إعداده حول مخاطر تنظيم الإخوان المسلمين على استقرار المجتمعات.
قد تكون الخطوة التي أقدمت عليها الحكومة الفرنسية جريئة في مواجهة هذا التنظيم الإرهابي الذي أحكم قبضته على المجتمع الأوروبي في كثير من مفاصله الفكرية والمالية، لكن هذه الخطوة الجريئة مستندة إلى معلومات ومؤشرات ومن خبرة واحدة من أكثر دول العربية نشاطاً على مستوى العالم في محاربة التطرف، ليس هذا فقط ولكن تنظيم الإخوان المسلمين هو أكثر تنظيم سياسي أفسد مفاهيم الدين الإسلامي وقيمه في العالم من خلال عقيدة تبرر لنفسها كل المحرمات الدينية والإنسانية بعضها وصلت إلى تبرير قتل الأبرياء لتحقيق هدفها النهائي "استعادة الخلافة".
الخلاصة
إن جماعة الإخوان المسلمين في طريقها لأن تكون "جماعة منبوذة" في كل المجتمعات الإنسانية في العالم. فلم تعد المجتمعات الغربية بيئة مناسبة للعيش فيها، فهم محاربون مجتمعياً وملاحقون أمنياً.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة