المضاربات تشتعل في بورصة باريس.. أزمات السياسة تنعش «البيع على المكشوف»

لم تقتصر الأزمة السياسية التي تعصف بفرنسا منذ سقوط حكومة فرانسوا بايرو وتعيين سيباستيان لوكورنو رئيسا للوزراء على المشهد السياسي وحده، بل امتدت لتُلهب الأسواق المالية.
وارتفع نشاط البيع على المكشوف في بورصة باريس إلى أعلى مستوياته خلال عام، في مضاربات باتت تُترجم على أنها بمثابة "استفتاء غير رسمي" ضد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في أسواق المال.
بورصة باريس تحت الضغط
بحسب بيانات حديثة من مكاتب استشارات مالية في أوروبا، فإن المضاربين وصناديق التحوط وجّهوا أنظارهم نحو الأسهم الفرنسية الأكثر هشاشة، مستغلين حالة الجمود السياسي وعدم وضوح مستقبل الحكومة الجديدة.
وقالت صحيفة "ليزيكو" الفرنسية، إنه على الرغم من أن اليورو لم يتأثر بشكل ملحوظ بالأزمة الداخلية الفرنسية وظل مستقرًا في نطاق 1.17 دولار، فإن المستثمرين وجدوا في السوق الفرنسية "الأرض الخصبة" لتحقيق أرباح سريعة، عبر الرهان على تراجع أسعار الأسهم، خصوصًا في القطاعات الحساسة مثل الطاقة، البنوك، والاتصالات.
بيع على المكشوف... أرباح للمضاربين وخسائر للشركات
وأشارت الصحيفة الفرنسية إلى أن آلية البيع على المكشوف، التي تقوم على اقتراض الأسهم وبيعها على أمل شرائها لاحقًا بسعر أقل، فتحت الباب أمام المضاربين لتعظيم أرباحهم على حساب الشركات الفرنسية التي تواجه أصلًا بيئة سياسية واقتصادية غير مستقرة.
ويعتبر الخبراء الاقتصاديون، وفقًا للصحيفة الفرنسية، أن هذا النوع من التداول، رغم قانونيته، يزيد من تقلبات السوق ويضاعف الضغوط على المؤسسات الاقتصادية والعاملين فيها، بل وحتى على الدولة التي تحتاج إلى استقرار مالي لتمرير الموازنة المقبلة.
كما رأت الصحيفة أن الأسواق المالية لا تتحمل الفراغ السياسي. وكلما طال أمد التفاوض على تشكيل الحكومة، ارتفعت وتيرة البيع على المكشوف، وهو ما يعكس في الواقع تراجع ثقة المستثمرين الدوليين في قدرة فرنسا على الاستقرار قصير المدى.
وتابعت: "لا تُقرأ فقط كمؤشر اقتصادي، بل تحمل رسالة سياسية واضحة للأسواق مفادها أن ضعف السلطة التنفيذية في فرنسا قد يترجم إلى مزيد من العزلة الأوروبية وتراجع في الدور الفرنسي داخل الاتحاد، خصوصًا في ملفات حيوية مثل الاعتراف بفلسطين أو الموقف من الحرب في أوكرانيا".
احتجاجات 10 سبتمبر/ أيلول
وكان اندلاع احتجاجات 10 سبتمبر/ أيلول والإضرابات العامة التي شلّت فرنسا مقدمة مباشرة للأزمة السياسية الراهنة التي أدت إلى سقوط حكومة بايرو. ومع تكليف لوكورنو تشكيل حكومة جديدة وسط برلمان منقسم، يرى الخبراء أن الأسواق لم تعد تنتظر نتائج سياسية طويلة المدى، بل بدأت تعاقب باريس مباشرة عبر البورصة.
وأشارت "ليزيكو" إلى أن هذا التداخل بين السياسة والاقتصاد يزيد من هشاشة المشهد الفرنسي، خصوصًا مع حاجة الحكومة المقبلة إلى تمرير ميزانية صعبة، في وقت تعيش فيه أوروبا أجواءً متوترة بسبب الحرب الأوكرانية وتنامي الضغوط حول ملف الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
ووفقًا للصحيفة الفرنسية فإن الأزمة الفرنسية تحولت إلى اختبار مزدوج: سياسي داخلي واقتصادي خارجي. فإذا كان الشارع يضغط عبر الاحتجاجات، فإن الأسواق المالية تُترجم قلقها عبر موجة بيع على المكشوف غير مسبوقة منذ عام. وبين حكومة لم تُعلن بعد وبرلمان منقسم، تبدو فرنسا أمام لحظة مفصلية قد تحدد مكانتها في أوروبا لسنوات مقبلة.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTI0IA==
جزيرة ام اند امز