الغرب بدأ يستشعر خطر التيارات الإسلامية التي لجأت إليه هرباً من القضاء في بلدانها الأصلية مستخدمة "نظرية المظلومية"
إن انزعاج الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، مؤخراً، مما تفعله التيارات السياسية في بلاده التي تتخفى تحت غطاء الدين من أجل فصل جزء من المجتمع الفرنسي عن الدولة، يؤدي إلى نتيجة تفيد بأن هذه التيار يسعى إلى تخريب النهج السياسي الفرنسي الذي اختاره شعبها منذ عام 1905 وهي العلمانية أو فصل الدين عن الدولة.
كما نستنتج أيضاً أن الغرب انطلاقاً من مواقف عدة، بدأ يستشعر خطر هذه التيارات التي لجأت إليه هرباً من القضاء في بلدانها الأصلية مستخدمة "نظرية المظلومية" لاستعطاف الرأي العام العالمي لحين أن تتهيأ لها الفرصة لتظهر ميولها الحقيقية لجماعتها أو حزبها على حساب الدولة بأكملها.
ويستحق انزعاج السيد ماكرون المناقشة في ضوء استخدامه لبعض المفردات السياسية -الدينية التي أعطت هذه التيارات الفرصة في تمزيق المجتمعات العربية مثل: الطائفية التي تعد أشد الأمثلة خطراً على استقرار المجتمعات وتدميرها، وكذلك فصل "بعض" أفراد من الشعب عن المجتمع أو ما يعرف عند الإخوان المسلمين: "الجماعة أولاً". كما تطرق السيد ماكرون إلى حصول الجماعات الإسلام السياسي تلك على تمويل خارجي وتحديداً من نظام الحمدين في قطر وحكومة أردوغان وهو ما يؤدي في النهاية لأن يكونوا أداة في يد هذين النظامين بشكل صريح أو ما يعرف في الأيديولوجية التابعة للإخوان بـ"الولاء العابر للحدود" لأن ولاءهم لا ينتمي للدولة الوطنية.
فلم يكن انزعاج ماكرون مبني على طبيعة الدين أو سلوك التدين التي هي العبادات باعتبارها ممارسات شخصية وحق لكل مواطن فرنسي بقدر ما كان تخوفه من استشعار الخطر الذي يتمثل في توجه المجتمع الفرنسي بعيداً عن القيم العلمانية التي قاتل عليها الشعب، وهو ما استغلته هذه الجماعات في استهداف الشباب الساخط على السياسة الفرنسية. لكنها في المقابل كشفت عن حقيقة "مظلومية" هذه الجماعات في أوطانها الأصلية التي هي في الأصل أسطورة وأظهرت بالتالي وجهها الحقيقي حينما أتيحت لها بيئة ومساحة اجتماعية للحركة.
المأمول أن تشترك جميع دول العالم والمنظمات الدولية في مواجهة هذا الخطر حالياً، لأن الحاصل أن الكل بات يدفع الثمن غالياً بسبب ترك هذه التنظيمات ومعها الدول التي تمولها دون محاسبة أو مواجهتها بشكل صريح.
أظن أنه كان الأجدى على المجتمعات الغربية عموماً وبشكل خاص تلك التي تنتشر فيها جماعات الإسلام السياسي، أن تصغي إلى نصائح الدول العربية التي عانت من هذه الجماعات وتملك الخبرة بأساليبها والطرق الملتوية لها في الوصول إلى أهدافها السياسية لأن سياسة الانتظار لحين حدوث شيء مؤلم أو اتباع أسلوب المهادنة لتفادي الاصطدام معها عادة تكون تكلفتها كبيرة كنتيجة لشبكات "التربيطات" التي تنسجها في المجتمع، وما يثير المخاوف أنه على الرغم من تدفق المعلومات الاستخباراتية من الدول الأوروبية حول الخطورة التي تمثلها هذه الجماعات والتمويلات الخارجية، إلا أن حجم استجابتها لتحدياتها ما زال محدوداً وليس بالقدر المناسب.
يمكننا تقسيم موقف الدول الأوروبية من تنظيم "الإخوان المسلمين" الإرهابي رغم التطورات التي تحدث بشكل يومي بأنها تتراوح بين: إما تجاهل لممارسات التنظيم على اعتبار أنها لا تريد الاصطدام معها، أو تأجيل ذلك لحين وقوع أحداث كبيرة، أو السير بخجل معها من خلال اتخاذ تدابير محدودة، فيما أن المطلوب في أحيان كثيرة مواجهتها بشكل صريح لأنها قد تجد نفسها في مواجهة غير مسبوقة من حيث الحجم والنتائج السلبية التي قد تدمر المجتمع بأكمله، ولأن التردد قد يعقد من الأمور ويضاعف نتائجها الكارثية.
من هنا سيكون من باب عدم الإنصاف ترك دول معينة تواجه هذا الخطر سواء كتنظيمات أو تمويلات بل أن التساهل معها نوع هو يمكن إدراجه تحت بند نكران جهود دول تقوم بعمل حقيقي في مواجهتها مثل دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية ومصر لأن هناك حاجة دولية للتضييق على هذه التنظيمات والدول التي تقدم لها التمويل لتحقيق الاستقرار والأمن الدولي.
المأمول أن تشترك جميع دول العالم والمنظمات الدولية في مواجهة هذا الخطر حالياً، لأن الحاصل أن الكل بات يدفع الثمن غالياً بسبب ترك هذه التنظيمات ومعها الدول التي تمولها دون محاسبة أو مواجهتها بشكل صريح.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة