الانتخابات الفرنسية.. بطاقات الاقتراع في مغامرة اقتصادية
أقل من يوم، ويستعد الناخبون في فرنسا لانتخاب رئيس يقود البلاد للسنوات الخمس المقبلة.. ويبدو أن الاقتصاد سيفرض كلمته وربما يحسم الأمر.
تنطلق الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية الفرنسية، يوم الأحد الموافق 10 أبريل/نيسان 2022، في أجواء يغلب عليها الهدوء والترقب في الشارع الفرنسي.
بينما تحتدم المنافسة بين 12 مترشحًا يتصدرهم الرئيس المنتهية ولايته إيمانويل ماكرون، صاحب الحظ الأوفر من نسب التصويت، حسب استطلاعات الرأي، ومنافسته الأبرز مارين لوبان.
تتمحور أبرز ملفات الانتخابات حول العمل وتكلفة المعيشة، والبيئة والهجرة والأمن.
تعافٍ متصاعد
يأمل الرئيس إيمانويل ماكرون أن يكون التعافي المتصاعد للاقتصاد الفرنسي أحد أسباب تعزيز محاولاته نحو إعادة انتخابه لولاية ثانية. الرئيس "المتصدر" إيمانويل ماكرون لديه حجة قوية لإقناع الناخبين بأن الإصلاحات التي تمت في ولايته الأولى تؤتي ثمارها.. والنتيجة هي: اقتصاد فرنسي قوي.
وقد تعافى الاقتصاد الفرنسي بشكل أسرع من المتوقع من أزمة فيروس كورونا المستجد "كوفيد-19"، حيث وصل النمو العام الماضي إلى أعلى مستوى له في 52 عامًا عند 7%، بالإضافة إلى ذلك، انخفضت البطالة إلى أدنى مستوى لها في 10 سنوات، وارتفعت القوة الشرائية للمستهلكين، وبدأ الاستثمار الأجنبي يتدفق.
منذ وصوله إلى السلطة في عام 2017، دفع ماكرون -وهو مصرفي استثماري ووزير اقتصاد سابق- بسلسلة من الإصلاحات، منها تخفيف قواعد العمل لتسهيل تعيين العمال وفصلهم، وتقليص إعانات البطالة وخفض الضرائب على رأس المال والدخل لكل من الأسر والشركات.
من جانبه، قال ماتيو بلين من المرصد الاقتصادي الفرنسي (OFCE) في باريس في تصريحات لإذاعة صوت ألمانيا "دويتشه فيله": "سياسات ماكرون كانت مؤيدة لمجتمع الأعمال تمامًا، على الرغم من أنه اضطر إلى تعديل بعضها وسط أزمات بما في ذلك احتجاجات السترات الصفراء وكوفيد". وأضاف: "بشكلٍ عام، تحسنت جاذبية فرنسا الاقتصادية على المستوى الدولي بشكل مؤكد".
وكان ماكرون قد أعلن مؤخرًا، رؤيته للسنوات الخمس المقبلة، وتضمّنت اقتراحات لتعزيز الاقتصاد ومكافحة عدم المساواة، وتحسين تفاعل فرنسا مع الأزمات العالمية، متعهداً بالمضيّ في إصلاح نظام التقاعد المثير للجدل، الذي سيرفع "تدريجاً" سنّ التقاعد من 62 إلى 65.
وأضاف الرئيس الفرنسي أن تعزيز النموّ يجب أن يحدث من خلال "زيادة الاستثمار" و"العمل أكثر"، متعهداً بتحقيق "توظيف كامل"، علماً أن معدل البطالة بلغ أخيرًا 7.4%، مقارنة بأكثر من 10% عندما تولّى ماكرون الحكم. كذلك وعد الأخير بمواصلة تحديث الجيش الفرنسي، ومكافحة التفاوت في المدارس وقطاع الرعاية الصحية.
مشهد أعمال مزدهر
أحد المؤشرات على تنامي الاقتصاد الفرنسي هو المشهد المزدهر للشركات الفرنسية الناشئة. في وقت سابق من هذا العام، احتفل ماكرون، وقد شمر عن ساعديه مرتديا بلوفر بياقة مدورة، في مشهد جعله أقرب إلى ستيف جوبز، بانطلاق الشركة رقم 25 في البلاد، من نوع "الشركات أحادية القرن" أو ماتعرف بـ "unicorn"، وهو مصطلح يطلق على أي شركة ناشئة، تقدر قيمتها بأكثر من مليار دولار (900 مليون يورو)، محققاً بذلك هدفه قبل عام 2025.
وكان عام 2021 عامًا قياسيًا، حيث جمعت شركات التكنولوجيا الفرنسية 11.6 مليار يورو من الأموال، بزيادة قدرها 115% عن عام 2020.
وقد سببت استراتيجية ماكرون المسماة "مهما كان الثمن" طفرة في القطاع كما أنها قد ساعدتها خلال جائحة كوفيد-19 للإنفاق بشكل كبير على تمويل الشركات، كما ساعدتها على الاحتفاظ بموظفيها.
وقال داميان مارك، الرئيس التنفيذي لشركة "JPB Systeme"، وهي شركة تستخدم "الأَتْمَتَة" (التَشْغِيل الآلي أو الذاتي) الذكية والروبوتات لإنشاء أنظمة خاصة بمحركات الطائرات، إن المساعدات الحكومية سمحت له بالتغلب على الانهيار في قطاع الطيران، والتمسك بقوته العاملة فائقة التخصص والحفاظ على تنويع منتجاته.
وفي العام الماضي، تلقت شركة التكنولوجيا الفائقة ضخاً نقدياً آخر بقيمة 1.5 مليون يورو من خطة استرداد حكومية بقيمة 100 مليار يورو لبدء العمل في العديد من القطاعات الصناعية.
خطة مارشال وتضخم الدين العام
على النقيض، اعتبرت صحيفة "فايننشال تايمز" أن ماكرون "يقامر بسجّله الاقتصادي، للفوز بولاية ثانية"، مضيفة أن "استكماله العمل الذي بدأه لإصلاح الاقتصاد الفرنسي"، سيمكّنه من "تحويل الخيال إلى حقيقة". وتابعت أن "خصوم ماكرون يركزون على (ارتفاع معدلات) الجريمة وما يقولون إنها هجرة غير منضبطة، وكذلك على الزيادات الأخيرة في تكلفة المعيشة، فيما يعتقد حلفاؤه أن سجله الاقتصادي هو أحد أقوى الأوراق التي يجب أن يغتنمها في سعيه لإعادة انتخابه".
وأشارت الصحيفة إلى أن إصلاحات ماكرون، التي بدأت قبل اندلاع احتجاجات "السترات الصفر" المناهضة للحكومة في عام 2018، سهّلت توظيف العمال وطردهم، وخفضت الضرائب على رأس المال والدخل للشركات والأسر، وقلّصت إعانات البطالة.
لكن يقول الخبراء إن المجال الآخر المثير للقلق هو حالة الخزينة العامة في فرنسا في أعقاب الإنفاق الحكومي الهائل والتخفيضات الضريبية.
وقال ماتيو بلين: "لقد ساعدت جميع السياسات في دفع النمو وزيادة القدرة التنافسية للشركات، لكنها تثير أيضًا التساؤل حول كيفية تمويل كل هذه الإجراءات وقضايا زيادة عجز الميزانية والدين العام".
المرشحة الجمهورية المحافظة فاليري بيكريس اتهمت ماكرون بصرف مبالغ نقدية لا نهاية لها والاستيلاء على الأموال لتمويل عمليات مواجهة الأوبئة الطارئة ودفع الدين الوطني إلى مستوى قياسي يبلغ حوالي 115% من الناتج المحلي الإجمالي.
ارتفاع تكلفة المعيشة
تشير استطلاعات الرأي إلى أن القلق الأكبر لدى الناخبين هو تضاؤل القوة الشرائية. وزاد ارتفاع الأسعار المرتبط بالحرب في أوكرانيا من تعميق تلك المخاوف.
وقد قال باتريك أرتوس، كبير الاقتصاديين في بنك Natixis ومقره باريس، إنه على الرغم من أن فرنسا أوجدت حوالي 700 ألف وظيفة في القطاع الخاص العام الماضي، إلا أن العديد ممن حصلوا عليها لا يتمتعون بالمهارات الكافية ويتقاضون رواتب منخفضة.
وأضاف: "إن العديد من الفرنسيين الذين يعملون في تجارة التجزئة أو المطاعم أو التنظيف أو الخدمات اللوجستية فقراء في الحقيقة"، مضيفًا أنه رغم ذلك، أظهرت البيانات أن الحكومة أنفقت مبالغ ضخمة لدعمهم، كان آخرها 15 مليار يورو للتخفيف من وطأة ارتفاع أسعار الطاقة.
ومع ذلك، يعتمد ماكرون على سجله الاقتصادي، حيث قال في وقت سابق هذا الشهر إنه سيمضي قدماً في الإصلاحات لإعادة تشكيل الاقتصاد الفرنسي إذا فاز بولاية ثانية.
aXA6IDMuMTMzLjE1Mi4yNiA= جزيرة ام اند امز