مبان مدمرة وأخرى محاصرة، مرضى في الشوارع بدون رعاية طبية، طواقم طبية عاجزة عن العمل، وجثث بالعشرات لا يمكن التعامل معها أو دفنها، هذا هو حال مستشفيات غزة، التي تئن تحت وطأة القصف والمعارك.
وضع وجدت فيه مستشفيات غزة نفسها، بعد أن باتت في بؤرة التصعيد بين حركة حماس والجيش الإسرائيلي الذي يحاول التوغل في أحياء شمال القطاع المحاصر، ما هدد حياة آلاف العالقين في تلك المرافق الصحية، واضطر أخرى إلى إجلاء المرضى الذين صاروا «في الشوارع بدون رعاية طبية»، بحسب مسؤول محلي.
قصف وحصار
وتتعرّض مناطق أخرى في قطاع غزة لقصف إسرائيلي، بعضها في الجنوب حيث وصل عشرات آلاف الفلسطينيين خلال الأيام الماضية، ويصعب عليهم كما على من وصل قبلهم، إيجاد مأوى وغذاء ودواء وماء للشرب أو للاستحمام في ظل الحصار المطبق الذي تفرضه إسرائيل ردّا على الهجوم غير المسبوق الذي نفذته حركة حماس ضدها في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وأودى بنحو 1200 إسرائيلي.
وفي حصيلة جديدة، أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية، الأحد، أن 11 ألفا و180 فلسطينيا قتلوا في القصف الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة، ومن بين القتلى 4609 أطفال و3100 امرأة، فضلا عن إصابة 28 ألفا و200 شخص.
وأفاد نائب وزير الصحة في حكومة حماس يوسف أبو الريش، بأن «خمسة أطفال رضع وسبعة مرضى في العناية المكثفة، توفوا بسبب انقطاع الكهرباء في مستشفى الشفاء، الأكبر في قطاع غزة الذي يتعرض لقصف إسرائيلي مستمر».
وأضاف: «نتوقع أن يتضاعف عدد الشهداء حتى الصباح». وكان المستشفى أعلن أن 39 طفلا رضيعا لا يزالون فيه وأن ممرضين يلجأون إلى التنفس الاصطناعي اليدوي لإبقائهم على قيد الحياة، فيما أشار طبيب في منظمة «أطباء بلا حدود» إلى أن 17 مريضا موجودون في قسم العناية المركزة.
وأعلن يوسف أبو الريش أن إسرائيل دمّرت «بالكامل مبنى قسم القلب في مستشفى الشفاء» الأكبر في قطاع غزة، وحيث لا يزال عشرات الآلاف من النازحين والجرحى والمرضى عالقين، بينما تتركز المعارك في محيطه منذ يومين.
وأكد شهود داخل المستشفى وقوع غارة لم تتمكّن «فرانس برس» من التحقّق منها بشكل مستقل. ولم يردّ الجيش بعد على طلب التعليق.
إسرائيل ترد
وكان الجيش نفى في وقت سابق استهداف المستشفى بشكل متعمد، لكنه كرّر اتهام حماس باستخدام المرافق الطبية مقارًا لها ولقيادييها وبنيتها العسكرية، وهو ما تنفيه الحركة.
ولفت رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في مقابلة مع قناة «سي إن إن» إلى أنه تم إجلاء حوالى مئة مريض من مستشفى الشفاء.
وكان مدير مجمّع الشفاء محمد أبو سلمية حذّر من أن «الطواقم الطبية عاجزة عن العمل، والجثث بالعشرات لا يمكن التعامل معها أو دفنها».
وطالب مدير مستشفيات قطاع غزة محمد زقوت بـ«إنقاذ الأطفال في الحضانات لأن الوقت ينفد لإنقاذ أرواحهم»، بعدما توفي اثنان من الأطفال الـ39 إثر توقف حاضناتهم عن العمل في مستشفى الشفاء، وفق أطباء ومنظمات غير حكومية.
من جهتها، قالت مديرة جمعية العون الطبي للفلسطينيين (ماب) ميلاني وارد: «سيارات الإسعاف عاجزة عن الوصول إلى المستشفى، خصوصًا تلك التي لديها المعدات اللازمة لنقل هؤلاء الأطفال، ولا يوجد أي مستشفى لديه القدرة على استقبالهم، لذلك ليس لدينا ما يشير إلى أن عمليات النقل هذه يمكن أن تتم بأمان».
وأعرب المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبرييسوس عن قلقه الأحد بعد «فقدان الاتصال» مع محاوريه في الشفاء.
ممر آمن
وفي وقت سابق الأحد، تحدث الجيش الإسرائيلي عن فتح «ممرّ آمن يمكّن السكان المدنيين من الخروج مشيا أو بواسطة سيارات الإسعاف من مستشفيات الشفاء والرنتيسي وناصر».
وبحسب بيان عسكري إسرائيلي الأحد، فُتح «ممرّ آمن يمكّن السكان المدنيين من الإخلاء مشيا على الأقدام أو بواسطة سيارات الإسعاف من مستشفيات الشفاء والرنتيسي وناصر».
وأشار الجيش إلى ممر بالتحديد من مجمع الشفاء الطبي عن طريق شارع الوحدة ومن ثم الى طريق صلاح الدين والانتقال الى جنوب وادي غزة.
وردت شاينا لو من منظمة «إن آر سي- فلسطين» غير الحكومية، متسائلة: «كيف يمكن للجرحى أن يمشوا لكيلومترات من أجل بلوغ مكان آمن؟» وأضافت أنه في حال وصولهم إلى الجنوب، فـ«كل المستشفيات هناك تشكو من نقص».
وكان الجيش ذكر السبت أن مئتي ألف فلسطيني نزحوا خلال ثلاثة أيام من الشمال إلى الجنوب، عبر ممرات تفتح يوميا لبعض الوقت. وأعيد بعد أيام من الإقفال فتح معبر رفح مع مصر، المنفذ الوحيد للقطاع الى العالم الخارجي.
ويتصاعد الدخان من مناطق عدة في قطاع غزة، كما تظهر صور ومقاطع فيديو لوكالة «فرانس برس» تسمع فيها أصوات رصاص وانفجارات في اليوم السابع والثلاثين من الحرب.
وتعهدت إسرائيل بالقضاء على حركة حماس المصنفة إرهابية من الدولة العبرية والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
وفي مدينة بني سهيلا في جنوب قطاع غزة، أفاد مراسل لوكالة فرانس برس عن تدمير عشرات المنازل ومقتل عدد من الأشخاص وإصابة العشرات بجروح في غارة إسرائيلية الأحد.
نزوح كثيف
وأعلن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الأحد مقتل وإصابة عدد كبير من الأشخاص جراء قصف طال مقرا له في مدينة غزة كان قد أخلي من الموظفين تمهيدا لاستقبال النازحين.
وأظهرت مقاطع مصورة لوكالة فرانس برس حفرة في وسط باحة مدرسة تديرها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا» في مدينة بيت لاهيا بشمال قطاع غزة.
في الجنوب الذي نزح إليه عشرات آلاف الفلسطينيين بعد إنذارات من الجيش الإسرائيلي، أصبح الوضع الإنساني كارثيا.
وتجلس مئات العائلات على جانبي الطريق ويبدو على أفرادها التعب، ويتصبّب العرق من البعض، وينام أطفال على الأرض بينما يتكئ آخرون على أمهاتهم.
وقال يوسف مهنا الذي نزح من جباليا في شمال القطاع لفرانس برس الى خان يونس: «زوجتي مريضة، وأصبتُ بجروح مع ابنتي حين قُصف منزلٌ مجاور ودمّر منزلنا، ونحن محاصرون منذ 25 يوماً بدون أكل ولا شرب ولا شيء».