فلسطيني يؤسس أول مصنع للزيوت الطبية في غزة
الشاب الفلسطيني فداء أبوعليان يباشر يومياً ترميم الخراب الذي يسببه الحصار المشدد، لفتح كوة من النور يدخل من خلالها حلمه.
وجد الشاب فداء أبوعليان ضالته في حلم صغير يكاد يتحقق بين يديه، رغم العقبات الكثيرة التي تواجهه، فقد وضع اللبنة الأولى لأول مصنع للزيوت الطبية في قطاع غزة.
ويباشر أبوعليان يومياً ترميم الخراب الذي يسببه الحصار المشدد، لفتح كوة من النور يدخل من خلالها حلمه، وليكون من الذين رموا سهماً فأصاب هدفين في آنٍ واحد؛ تحقيق حلمه في المصنع، والتغلب على البطالة التي تنتشر كالنار في الهشيم.
"العين الإخبارية" التقت الشاب الفلسطيني لتسليط الضوء على تجربته الخاصة، ولتبعث رسالة أمل للشباب الفلسطيني المحاصر في قطاع غزة:
البداية.. انفتاح الرغبة على الحلم
يقول الشاب فداء أبوعليان (25 عاماً) عن فكرة مصنع الزيوت الطبية: "منذ صغري وأنا أحلم باختراع شيء لم يسبقني إليه أحد في قطاع غزة، لذا درست الصيدلة وقرأت الكثير عن النباتات والزيوت الطبية، وقرأت كثيراً في علم التربة والبيئة حتى تكوّنت فكرة إنشاء أول مصنع لاستخراج الزيوت من بذور النباتات".
ويضيف: "لم أستثنِ يوماً بعد تخرجي في الجامعة لصياغة رؤية واضحة لتحقيق حلمي، ولكنني اصطدمت بكثير من العقبات، خصوصاً أننا في قطاع غزة نعيش حالة حصار منذ 13 سنة، والحركة محدودة بحكم المعابر شبه المغلقة، والأدوات والمعدات تحتاج إلى الكثير من أجل استيرادها من الخارج".
"تحت إلحاح الرغبة استمررت في محاولاتي لتحقيق حلمي القديم، والذي درست من أجله أكثر من تخصص في آن واحد، وعندما جمعت المال لشراء الجهاز المطلوب، تمَّ منع إدخاله عبر المعابر، فاضطررت إلى دراسة الجهاز ومكوناته وكيفية عمله، لكي أصنعه هنا في غزة، ولو بشكل مقارب للجهاز الأصلي، فكانت التجربة الأولى والمحاولات تتكرر حتى نجحت في صناعة أول جهاز خاص لاستخراج الزيوت الطبية من النباتات في قطاع غزة". يقول أبوعليان.
الحلم المشفوع بحاجة الناس.. طموح
يشير أبوعليان إلى أنَّ "فكرة استخراج الزيوت الطبية من النباتات جاءت من حاجة الناس إلى التداوي بالطب البديل، الذي انتشر في السنوات الأخيرة بكثرة في قطاع غزة، وهذا ما لفت انتباهي وكان محدداً لدراستي الصيدلة، ومن ثم الاطلاع على علوم البيئة والتربة والعطور الطبية، وعلم النبات، والعقاقير، ومنها دخلت إلى علم التركيب الطبي للأعشاب الطبيعية، لاستخراج الزيوت الطبية والعطرية".
لم يكن الأمر سهلاً على الشاب الفلسطيني، إذ "احتاج مني إلى الكثير من الجهد والوقت، وكدت في بعض المراحل أن أُصاب باليأس وترك مشروعي، ولكن الإصرار إذا تملّك من الإنسان لم يفلته، وهذا تمَّ بفضل الله، إلى أن واجهت مشكلة عدم السماح للأجهزة الأساسية بدخول قطاع غزة عبر المعابر، وهنا أصبت بإحباط شديد، وتملكني شعور غريب بأن أترك الوطن لكي أحقق حلمي خارجه، ولكنني فكرت ملياً حتى جاءت فكرة أن أصنع الجهاز المطلوب بنفسي لكي يشبه الجهاز المطلوب، ويحقق لي نسبة مقبولة من النتائج فكان انتصاري للمرة الثانية على اليأس والإحباط".
وفي تفاصيل الجهاز الذي صنعه أبوعليان يقول إن "الجهاز عبارة عن مكثف مياه يلحقه جهاز تبريد ومضخة صغيرة وجهاز ضغط شبيه بطنجرة الضغط المستخدمة في المنازل، وفيه توضع الأعشاب لتبخيرها بطريقة علمية واستخراج العطور والزيوت منها، كما يلحق الجهاز قطعة بشفرات خاصة لطحن البذور بطريقة ما، لذا صممت شفرات خاصة لهذا الغرض، ومع تجميع هذه القطع وربطها ببعضها، كان لدي مصنع صغير يفي بالغرض، وتحقيق مشروعي ولو بالحد الأدنى".
اللبنة الأولى ليست كل البناء
يعزز الشاب أبوعليان طموحه بالأمل فيقول: "رغم ما حققته الآن من صناعة لجهاز استخراج الزيوت الطبية والعطرية، فإنني أواصل تطوير هذا الجهاز لصناعة الزيوت المطلوبة والتي تتوافق وعلاج الناس من الأمراض، وما يجعلني متمسكاً بطموحي أن ما يستورده تجار غزة من زيوت طبية مغشوشة في أغلب الأحيان ولا تتوافق مع التداوي المطلوب، وغالباً ما تكون لها آثار سلبية على المريض، لهذا أناشد التجار تحري الأخلاق فيما يستوردون للناس المرضى في قطاع غزة، فالمسألة ليست ربحاً فقط، بل متعلقة بحياة البشر وصحتهم".
الحلم للإرادة ولا يأتي بالتمني
يقول الشاب أبوعليان عن دعمه من قبل المقربين: "حقيقة لم أجد من يدعمني ولو معنوياً في سبيل تحقيق مشروعي، بل وجدت الكثيرين الذين يشككون بنجاحي في إنشاء مصنع استخراج الزيوت الطبية، ويوم أن بدأت أنتج بعض الزيوت والعطور تغيرت المواقف، ووجدت من يثني على التجربة، ولهذا كان لا بد من استكمال توابع المشروع، فخصصت قطعة أرض صغيرة لزراعة الأعشاب المطلوبة كالزعتر والنعناع وإكليل الجبل والميرمية والجرجير والبصل والكرفس وغيرها، وهذا يساعدني بالاستكفاء الذاتي بظروف قطاع غزة الحالية".
الشاب فداء أبوعليان فكر في مشروعه الخاص لتحقيق حلمٍ كبير يتمناه في يوم من الأيام أن يتحقق وهو مصنع ضخم لاستخراج الزيوت الطبية والعطور وإشباع السوق المحلية بالعلاج غير المغشوش، بما ينفع الناس، ويفتح له باباً واسعاً من الرزق وتحقيق الذات، فالحياة كما يقول أبوعليان: "ميدان لا يهدأ، ومن سهى فيه هزم".