في غزة.. لقمة العيش تنتصر على طبول الحرب
الباعة في قطاع غزة يدركون ظروف الحرب ويخاطرون بأنفسهم من أجل تلبية متطلبات السكان. حتى لو كان ذلك تحت القصف الإسرائيلي.
بعد ساعات من دخول التوتر الشديد إلى قطاع غزة، بدأ الليل يعطي رسائله عبر ارتفاع وتيرة القصف المتبادل، حتى بدا أغلب سكان القطاع يشعرون أن الحرب اكتسحت حاراتهم وبيوتهم وأسواقهم، دون أن يكون لهم سابق علم لتحصين أنفسهم وتمويل احتياجاتهم.
وتشكّل الحرب المباغتة صدمة أخرى، عندما يشعر الناس أنهم يعيشون تحت وقعها بدون تجهيزات وتحضيرات ملحّة، إلا أن الباعة في قطاع غزة يدركون هذه الظروف ويخاطرون بأنفسهم من أجل تلبية احتياجات السكان.
ويُضطر آخرون إلى الخروج والبيع لأن بيوتهم فارغة من لقمة العيش، وهو ما يتطلب المخاطرة.
وقبل توصل الفصائل الفلسطينية وإسرائيل إلى اتفاق تهدئة، آمس الثلاثاء، وذلك بعد يومين من التصعيد المتبادل ، تجوّلت "العين الإخبارية" في مركز مدينة خانيونس، فوجدت الباعة على الأرصفة وبالمحال التجارية، وكأن الحرب حامية الوطيس.
وقال بائع السجائر الشاب محمد الفراي لـ"العين الإخبارية": "سهرت طوال الليل أمام بسطة السجائر، ولم أغادر المكان لأنني مضطر إلى ذلك، فالبيع يكون أفضل ليلا، ورغم التوتر الموجود فإنني أتوكل على الله، ولن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا .. شعرت بالخوف لحظة استهداف المنطقة أكثر من مرة، ولكن الله حماني"،
وأضاف: "ما أريد قوله إننا في قطاع غزة نضطر إلى العمل رغم المخاطر الكثيرة، لأنه لا سبيل لدينا سوى ذلك، وما نطلبه من قيادات شعبنا أن يراعوا الظروف القاسية التي نعاني منها، فالشباب فقدوا الأمل في المستقبل نتيجة الواقع القاسي، وعليهم أن يتفقوا كي نعيش بأمان وسلام ".
الحاج رزق السيقلي صاحب محل بيع الأحذية في شارع جلال بمدينة خانيونس، تحدث لـ "العين الإخبارية" قائلا: "البيع والشراء في مثل هذه الأوضاع خطير، ولكن واقعنا في قطاع غزة دائم التوتر، وإذا جلسنا في منازلنا مرتهنين بالظروف لن نستطيع إطعام أولادنا وسد احتياجات الناس".
مستطردا: "خروجنا إلى السوق ليس من أجل الربح في مثل الأوضاع الحالية، ولكن من أجل ألا نعطي عدونا ما يريد، ولن يشل حركتنا رغم اعتداءاته المتواصلة .. إننا نخرج كنوع من أنواع الصمود والتحدي".
وأردف السيقلي: "لن يستطيع أن يفرض علينا العدو شروطه، ولكن على قياداتنا السياسية في هذه المرحلة أن تتطلع إلى ما يجري لنا، فنحن نعيش مهددين في كل ساعة، عليهم أن يوحدوا كلمتهم، وأن يتابعوا أوضاع شعبهم، إذ حان الوقت لإنهاء جميع الخلافات، وتوحيد الصف، والعودة إلى تمتين الجبهة الداخلية".
ودعا العالمين العربي والإسلامي إلى أخذ موقف صارم من العدوان الإسرائيلي، مع ضرورة تدخّل المجتمع الدولي لردع دولة الاحتلال، والتوصل إلى هدنة ثم اتفاق نهائي يضمن حقوق الشعب الفلسطيني.
هذا وكانت قوة خاصة إسرائيلية قد تجاوزت الحدود الشرقية لمدينة خانيونس، جنوب قطاع غزة، السبت الماضي، واغتالت قياديا في كتائب عز الدين القسام، وتمت محاصرتها ومطاردتها من قبل المقاومة الفلسطينية مما أدى إلى اشتباك مسلح بين الطرفين، تدخل على إثره الطيران الحربي الإسرائيلي ما أسفر عن استشهاد فلسطينيين.
حمادة عابدين صاحب ملحمة في سوق خانيونس أوضح لـ "العين الإخبارية": " نجوت بأعجوبة فجر أمس الثلاثاء، من الطيران الإسرائيلي، بينما كنت في المنطقة الشرقية، حيث المسلخ الخاص بمحال لحوم عابدين، ورغم ذلك أكمل يومي كالمعتاد، فعملنا منوط بحياتنا اليومية، وإلا لن نعمل أبداً".
وتابع: "كل يوم نحن بحال، ننام بهدوء ونستيقظ على حرب وقصف وتدمير، والناس تريد أن تعيش وتمارس حياتها، ولا يجدي نفعا أن نعلق أعمالنا من أجل التوتر، نتوكل على الله، وما يقع فهو مقدر لنا، ولكن على العالم أن يشعر بنا، فنحن نريد أن نعيش بسلام، ونربي أولادنا لمستقبل أفضل".
ورغم تحليق الطيران بكثافة في سماء محافظة خانيونس، والتوتر الذي كان مسيطرا على الوضع العام، إلا أن السيدة ريهام شراب، رفضت البقاء في منزلها فخرجت لشراء احتياجات ضرورية.
التقتها "العين الإخبارية" في مخبز القلعة، حيث أدلت بشهادتها عن العدوان المتواصل على قطاع غزة، فقالت:"خرجت من أجل شراء الخبز والخضروات، ومضطرة إلى ذلك لأنه لا يوجد في البيت سواي، وزوجي مريض ويتعالج منذ سنوات".
وأضافت "خروجي مضطرة لا يعني أنني خائفة من القصف والتدمير والعدوان الإسرائيلي، فالرب واحد والعمر واحد، ولكننا لم نكن نعلم في قطاع غزة، أنّ حرباّ ستقع، وإلا كنا تجهزنا لها .. وجدنا أنفسنا فجأة وسط الحرب، والحمدلله وجدت السوق عامرا، والصيدليات مفتوحة، وهذا هو شعبنا الذي لا يستسلم بسهولة، بل يقاوم حتى في تقديم الخدمات، وتسهيل الحياة"