تعد رقصة تانغو من أشهر الرقصات، ولعل أكثرها انتشارا ومتعة وإثارة، ومن المعروف أن هذه الرقصة تحتاج إلى شخصين (رجل وامرأة)، وكذلك إلى كثير من الحركات التي تتصاعد مع إيقاعات الموسيقى.
وما ترافقها من أفكار وصور رومانسية، وهي حركات تخلق حالة من التناغم بين الراقصين وتجمعهما في حالة واحدة فوق حلبة الرقص.
تذكرت ما سبق، وأنا أراجع وأتابع مواقف أمريكا وإيران من حرب غزة منذ هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ومن ثم الحرب التدميرية التي تشنها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، وصولا إلى دخان الحرائق المشتعلة على الحدود اللبنانية - الإسرائيلية، وفوق البحر الأحمر وباب المندب، وفي سماء القواعد العسكرية الأمريكية في العراق وسوريا، إذ إن هذه الساحات تحولت إلى ما يشبه ساحة لتانغو أمريكي - إيراني على صفيح النار المشتعلة في قطاع غزة.
ومنذ اليوم الأول لحرب غزة، أعلنت الإدارة الأمريكية أنها ستعمل على منع توسيع الحرب، وأن الحرب الإقليمية ممنوعة، ولذلك استنفرت دبلوماسيتها التي تجلت في جولات وزير خارجيتها التي لا تتوقف للمنطقة.
إيران سرعان ما ردت بأن لا علاقة لها أو علم بهجوم حماس، وأنها غير معنية بالتورط المباشر في هذه الحرب، لكن هذا الموقف الاستراتيجي للجانبين لم يمنعهما من الرقص فوق نار الحرب.
فواشنطن قدمت كل أشكال الدعم العسكري والسياسي والدبلوماسي لإسرائيل على أمل القضاء سريعا على حكم حماس في غزة، وهو ما لم يتحقق إلى الآن، الأمر الذي أدى إلى إطالة عمر هذه الحرب رغم حجم الدمار الهائل والأعداد الكبيرة للضحايا.
فيما إيران لم تتوان عن خطاب سردية الدفاع عن القضية الفلسطينية، ومن أجل ذلك أطلقت أذرعها في لبنان والعراق واليمن، بهدف الضغط على الإدارة الأمريكية، سواء لدفعها للضغط على إسرائيل من أجل وقف حربها على غزة كي لا تخسر ورقة حماس، أو لتحسين أوراق التفاوض معها منذ انطلاق مسار خفض التصعيد بينهما في سلطنة عمان، وما قيل عن اتفاق غير معلن بينهما دون الكثير من التفاصيل.
أمريكا وإيران في رقصة التانغو الجارية فوق صفيح غزة، ترسلان رسائل نارية، فالأولى لا تتوقف عن استعراض عضلاتها العسكرية في بحار المنطقة، كذلك تفعل الثانية في ساحات دول المنطقة التي توغلت فيها إلى حد السيطرة، وكأن لسان كل طرف يقول إنه لديه أوراق كثيرة وقادر على تحريكها في وجه الطرف الآخر، لكن الطرفين يلتزمان بقواعد الرقص على حافة النار دون إشعالها.
فجبهة جنوب لبنان بقيادة حزب الله مضبوطة بقواعد صارمة منذ أكثر من 3 أشهر، ومشاغبة الحوثي في البحر الأحمر ومضيق باب المندب ليست سوى أكثر من رسالة إيرانية للإدارة الأمريكية، وغبار استهداف القواعد الأمريكية في العراق وسوريا لم يسفر إلى اليوم عن مقتل جندي أمريكي واحد.
فيما أمريكا تمارس نفس اللعبة، إذ إنها تقول عبر إسرائيل للبنان إما بقاء إيقاع حزب الله في حدود اللعبة أو قلب الطاولة على لبنان اعتمادا على القرار 1701، سواء حربا تدميرية على غرار حرب غزة أو دبلوماسية تنتج تسوية منشودة.
وفي العراق لا تتوانى عن التلويح بورقة خلط الأوراق الاستراتيجية في معركة لا يزال تنظيم داعش حاضرا فيها، وفي البحر الأحمر حيث إمكانية الحشد الدولي ضد الحوثي حاضرة من بوابة الضرر الذي يلحقه الحوثي بالتجارة الدولية.
وهكذا تتواصل رقصة تانغو بين الجانبين فوق خطوط النار دون إشعالها طالما لسان حال الطرفين ينأى بنفسه عن التورط في الحرب الجارية فوق أجساد الفلسطينيين في قطاعهم المحاصر بالدم والنار والحرمان.
وفي رقصة التانغو التي يتطلع الطرفان إلى وضع نهاية لها، تدرك إيران أن الفرصة الوحيدة المتبقية أمامها لتجديد الاتفاق النووي مع البيت الأبيض تكاد تختفي مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية، إذ إنها تحس في العمق أن الجمهوريين سيفوزون في هذه الانتخابات، وهم الذين أعلنوا نهاية الاتفاق النووي معها.
فيما إدارة بايدن تدرك أن حرب غزة أثرت على أولوياتها في الأزمة الأوكرانية والحرب مع روسيا، وعلى وتيرة الصراع مع الصين، وأن نتنياهو بإصراره على استمرار هذه الحرب والتطلع إلى توسيعها للبقاء في المشهد السياسي، يخلط أوراقها ويجعلها في امتحان صعب، لاسيما مع استمرار جرائم القتل التي أفقدتها مصداقيتها حتى في الداخل الأمريكي.
وتلعب إيران وأمريكا لعبة محفوفة بالمخاطر فوق خطوط النار، لعبة مفتوحة على نهايات غير معروفة مع أن التزامهما بقواعد اللعبة في رقصة التانغو الجارية قد يحمل مفاجآت مفتوحة غير متوقعة من بغداد إلى بيروت حتى لو دمر ما تبقى من قطاع غزة بنار نتنياهو وحكومته المتطرفة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة