الواقعية تقهر التفاؤل عشية "جنيف 4"
تفاؤل دي ميستورا السابق بإمكانية تحقيق تقدم في "جنيف 4" اصطدم بمتغيرات واقعية جعلته يتراجع قائلا "نحن لا نعلق آمالاً كبرى"
قبل سنوات تمكنت المعارضة المسلحة من تفجير قاعة اجتماعات خلية الأزمة في سوريا، ولقي شقيق الرئيس السوري بشار الأسد مصرعه في هذه العملية النوعية، لتخرج بعدها تصريحات متفائلة ذهب أصحابها إلى أن أيام الأسد صارت معدودة.
لم تمض إلا أيام وأدرك أصحاب هذه التصريحات أن الأمر أعقد بكثير مما كانوا يتخيلون، إذ عاد النظام السوري بعد هذه العملية أكثر قوة، لتختفي نغمة التفاؤل ويحل محلها الواقعية العسكرية والسياسية.
نفس الحالة عاشها المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، الذي كان متفائلا قبل أيام بأن مفاوضات "جنيف 4" يمكن أن تحقق إنجازاً، ثم ما لبس أن اصطدم بالواقع ليخرج علينا عشية انطلاقها قائلاً في مؤتمر صحفي: "لنكن صرحاء.. نحن لا نعلق آمالاً كبرى".
تفاؤل دي ميستورا السابق بناه على حدوث تقارب بين تركيا الداعمة للمعارضة السورية وروسيا الداعمة للنظام السوري، وقال في كلمته أمام مؤتمر ميونخ للأمن قبل أيام إنّه قد "حان الوقت لكي نحاول من جديد"، لافتاً إلى أن الظروف تبدلت في ظل التقارب بين موسكو وأنقرة.
وأعطت كلمة دي ميستورا دفعة لآراء أخرى متفائلة بدأت تبحث عن المتغيرات الأخرى بخلاف التقارب الروسي التركي، والتي يمكن أن تجعل مفاوضات "جنيف 4 " تخرج بنتيجة مختلفة عن سابقتها.
"جنيف 4".. 5 متغيرات ترسم بارقة أمل
وذهب أصحاب هذه الآراء، إلى وجود 4 متغيرات، وهي أن المعارضة السورية قد تتحلى بقدر أكبر من الواقعية بعد خسارة الدعم السياسي الأمريكي في ظل إدارة أمريكية جديدة، وحدوث تقارب أمريكي روسي بحكم العلاقة التي تربط الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأمريكي دونالد ترامب، وهو ما قد يسمح باتفاق الطرفين على حل، واستعادة قوات النظام مدينة حلب بكاملها بعدما ظل الشطر الشرقي منها لسنوات معقلاَ بارزاً للفصائل المعارضة للنظام، ودخول تركيا الداعمة للمعارضة للمعركة بعد إطلاقها حملة عسكرية برية في شمال سوريا، ضد المتطرفين من جهة والأكراد من جهة أخرى.
ولكن هذه الآراء المتفائلة لم تلتفت إلى 4 متغيرات أخرى واقعية، ربما ترسم صورة مغايرة، أولها أن الإدارة الأمريكية الجديدة، لا تزال تحتاج بعض الوقت حتى يتبلور لديها إستراتيجية واضحة للتعامل مع الأزمة السورية، وليس من المتوقع أن تخرج المفاوضات بنتيجة، طالما أن هذه الإستراتيجية لم تتبللور.
ويتعلق المتغير الثاني بالوجود الإيراني في المشهد، والذي سيدفعهم إلى تعطيل أي حل، وهو ما بدا في تصريحات لجواد ظريف والمسؤولين الإيرانيين، قالوا فيها أن الوضع في سورية معقدا.
وقال المعارض السوري برهان غليون على صفحته بالفيس بوك: "عندما يرددون هذه التصريحات عشية مفاوضات جنيف، فذلك يعني أنهم سيعطلون أي حل، لاسيما أن مفتاح الحرب والسلام بين يديهم. وهذه هي الحقيقية".
أما المتغير الثالث، فيتعلق بأن طرفي المفاوضات أشهرا سلاحهما مبكرا، وأعلن كل منهما تمسكه بموقفه، فالمعارضة تريد انتقالا سياسيا بلا بشار الأسد، والنظام يعتبر الحديث عن مستقبل بشار في الانتقال السياسي خطاً أحمر، ولم تنجح متغيرات التفاؤل السابقة في حلحلة هذه المواقف نحو الوصول إلى منطقة التقاء بين الطرفين.
ويتعلق المتغير الرابع برسائل الدم التي أرسلها النظام السوري عشية المفاوضات، حيث لم يتركوا جبهة واحدة يمكن فتحها على المعارضة ولم يفعلوا، من الشمال وفي أحياء دمشق وفي درعا، بهدف تفجير مباحثات الحل السياسي وتعطيل أي فرصة لوقف الحرب والخراب والدمار في سوريا.
النظام السوري يكثف قصف موقع المعارضة قبل "جنيف 4"
وكان دي ميستورا مدركاً لهذا المتغير، فقال في مؤتمر صحفي اليوم إن الفريق المعني بوقف إطلاق النار اجتمع في جنيف، وأعلنت روسيا للجميع أنها طلبت رسمياً من الحكومة السورية عدم شن ضربات جوية أثناء المحادثات.
ولكن يبدو أن هذا الطلب الروسي غير كاف، لضمان تحييد هذا المتغير، إضافة إلى عدم وجود ضمانات أخرى لتحييد المتغيرات الثلاثة الأخرى، وهو ما دفع دي ميستورا إلى التخلي عن تفائله السابق، فقال إنه "لا يتوقع تقدما ملموسا" في الجولة الجديدة من مفاوضات جنيف، لكنه أعرب عن الأمل في أن تتمكن الأطراف من تحقيق زخم باتجاه التوصل إلى اتفاق في جولات تالية من المفاوضات.