حالة غريبة من انعدام المنطق وسقوط المبادئ والقيم وتحول الدول إلى ما يشبه العصابات الإجرامية.
في زحام الأحداث التي تمر بالمنطقة العربية، لم يعد الإنسان قادراً على متابعة التفكير المنطقي في المواقف التي تتخذها الدول المتورطة في كل الأزمات والفتن التي تعصف بالمجتمعات العربية، بحيث صارت المواقف تُفهم فرادى، وليست في سياقات منطقية تعبر عن رؤى استراتيجية ثابتة، ولم يعد الباحثون قادرين على فرز وتصنيف المواقف ضمن مصفوفات منطقية تعبر عن نمط محدد لتوجهات السياسات الخارجية، فقد تحولت السياسة في العالم العربي إلى ما يشبه الأسواق الشعبية العشوائية التي توجد على أطراف المدن العربية، حيث لا قانون ولا معيار ولا عرف عام، وإنما تتحدد قيمة كل شيء بصورة لحظية طبقا لقواعد الفهلوة والانتهازية.
حالة غريبة من انعدام المنطق وسقوط المبادئ والقيم وتحول الدول إلى ما يشبه العصابات الإجرامية التي توظف قوتها بكل أنواعها لتحقيق مصالح وقتية لا أخلاقية، والغريب في الأمر أن هذه الدول الثلاث تقتات على شعارات دينية وأخلاقية، وتقدم نفسها للجماهير العربية على أنها حامية القيم وراعية الدين والمتحدثة باسم رب العالمين.
ولنبدأ بمواقف إيران تلك الدولة العريقة في التقاليد السياسية، نجد أنها تتخذ من المواقف الانتهازية المتناقضة ما يضعها في مصاف دويلة مثل قطر، بحيث تكون في علاقة صداقة وعداء مع نفس الدولة في موقعين مختلفين، فإيران تدعم الاستراتيجية الأمريكية، وتقف وراءها من أول يوم في ملف العراق، وعملاؤها الذين استولوا على مقدرات هذا البلد بقوة السلاح الأمريكي عام 2003 مازالوا يأتمرون بأمر إيران وما زالوا تحت الوصاية الأمريكية، ولكن إيران ذاتها تعادي أمريكا وتحاربها على بُعد خط فاصل وهمي على الخريطة في سوريا، فالصديق هنا.. عدو هناك، والضحية عربية في الحالتين.
ولننتقل لمواقف تركيا، التي يدعي حاكمها السلطان الواهم أنه خليفة المسلمين، سنجده انتهازيا من طراز خاص، فهو يحارب إيران في سوريا، ويحشد لهزيمتها وهزيمة بشار الأسد كل ما يملك من قوة إلى درجة أنه فتح حدود بلاده مع الدولة السورية لدخول كل مجرمي العالم من داعش والنصرة وغيرهما، وفي الوقت ذاته هو من أكثر الذين ساندوا إيران في مواجهة العقوبات الغربية، وأيدها بكل ما أوتي من قوة، بل إنه تورط في مخالفة هذه العقوبات وتهريب الذهب لإيران، وعميله في تهريب الذهب لإيران نائب مدير بنك "خلق" التركي "محمد هاكان" أفرجت عنه الولايات المتحدة خلال اليومين السابقين بعد سجنه لمدة 28 شهراً. الصديق هنا.. عدو هناك، والضحية عربية في الحالتين.
وثالثة الأثافي دويلة قطر التي لعبت على كل الحبال، حاربت إيران في سوريا، وحشدت ضدها كل شذاذ الآفاق من التنظيمات الإرهابية، ولكنها وقفت وساندت إيران في اليمن، ودعمتها بكل قوة في مواجهة دول الخليج العربي. كذلك تفعل قطر مع إسرائيل؛ تدللها وتفتح معها كل أنواع العلاقات، وفي الوقت نفسه تدعم حماس، ويمر دعمها لحماس من خلال الإدارة الإسرائيلية ذاتها، وبحراسة إسرائيلية كذلك. ثم تهاجم قناة الجزيرة كل مَن يذكر اسم إسرائيل، وكأن حكومة قطر قد أعلنت الحرب على إسرائيل. الصديق هنا.. عدو هناك، والضحية عربية في الحالتين.
وفي كل تلك الحالات لا يمكن رصد موقف استراتيجي واضح ومحدد لأي من هذه الدول، وإنما هي سياسة مصالح انتهازية لا تتسق مع منطق الدولة التي تحترم تقاليدها وتاريخها، ومواقفها الدولية، فيستحيل في أي مكان في العالم أن تتكرر مثل هذه الصورة الانتهازية، ويستحيل أن تجد دولة تتخذ موقفين مختلفين من دولة أخرى في نفس الفترة الزمنية.
حالة غريبة من انعدام المنطق وسقوط المبادئ والقيم وتحول الدول إلى ما يشبه العصابات الإجرامية التي توظف قوتها بكل أنواعها لتحقيق مصالح وقتية لا أخلاقية، والغريب في الأمر أن هذه الدول الثلاث تقتات على شعارات دينية وأخلاقية، وتقدم نفسها للجماهير العربية على أنها حامية القيم وراعية الدين والمتحدثة باسم رب العالمين.
هذا النمط من السلوك السياسي الدولي الانتهازي سيقود تلك الدول إلى الفشل في نهاية المطاف، ولعل نموذج انتهازية الرئيس التركي أردوغان في محاولة اللعب على الحبال الروسية، والأمريكية في نفس الوقت أوقعه في مصيدة الرئيس بوتين، ودخل في نفق مظلم في علاقته مع حلف الناتو والولايات المتحدة لن يخرج منها إلا منبوذا من الغرب، فاشلا في ضمان ثقة الصديق اللدود القيصر الروسي، الذي لم تعرف بلاده في تاريخها علاقة أشد عداء مما عرفته مع أجداد أردوغان.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة