العلاقة القطرية بالإرهاب الصومالي خاصة والأفريقي عامة ليست سرا يذاع؛ فالدوحة على تواصل مستمر مع حركة الشباب الإرهابية.
ما خفي إلا وسيُعلن، وما يُقال همسا في المخادع اليوم، غدا سيُنادى به من على السطوح.
ضمن الأقوال الفاعلة والناجزة للفيلسوف البلغاري الأصل الفرنسي الجنسية "تزيفتان نيدوروف"، إنه ما من أحد يحتل وينجو ببراءة، الطبيعة تمقت الشر، حتى وإن طفا على السطح قليلا، فمصيره نهاية الأمر أن يذهب هباء، مع ما يستتبعه من استحقاقات كارثية على فاعليه.
أغلب الظن أن الخفي في سردية الإرهاب القطري أكثر من الظاهر، والمؤكد أننا سنستمع قريبا للكثير من التفاصيل، وما نشاهده ليس إلا بداية التوجه الأمريكي للانقضاض على قطر بوصفها ذنبا من أذناب إيران، وهذه قصة أخرى.
خُيل للقائمين على الأمر في قطر أنه من الممكن أن يذيعوا ويشيعوا الإرهاب من حول العالم، من دون أن تفضح ألاعيبهم وتكشف مؤامراتهم. غير أن الأسبوع الماضي وحده، أضاف إلى سجل المخازي القطرية حادثتين تقتضيان من العالم برمته التوقف والتأمل مليا فيما يجري من حولنا.
وهنا لنا أن نتساءل عن علاقة قطر بالإرهاب، وهل هي محدثة أم قديمة؟
قبل ثلاثة عقود وتحديدا في منتصف عام 1990 كانت قطر تستقبل عددا من كبار الإرهابيين المطلوبين دوليا، والذين تمكنوا من مغادرة الفلبين بعد القبض على عدد من أعوانهم، كان في مقدمة هؤلاء "خالد شيخ محمد"، المصنف كثالث عضو في تنظيم القاعدة بعد أسامة بن لادن، وأيمن الظواهري.
في ذلك الوقت نما إلى علم مدير مكتب التحقيقات الاتحادية "لويس فرييه"، خبر وصول الرجل الذي سيلعب لاحقا دورا أوليا ومحوريا في هجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، إلى قطر، وعليه فقد سارع إلى التواصل مع السلطات القطرية، وبنوع خاص وزير الخارجية القطرية وقتها "مبارك بن علي الخاطر"، طالبا منه تسليم عضو القاعدة إلى السلطات الأمريكية تنفيذا لما يقتضيه القانون الدولي، والاتفاقيات الموقعة بين واشنطن والدوحة.
كانت السلطات الأمريكية تدرك تمام الإدراك أن "شيخ محمد" مشتبه في تورطه في مؤامرات إرهابية تهدد مصالح الولايات المتحدة بشكل واضح.
لم تكتفِ قطر باستضافة "خالد شيخ محمد"، لكنها وفرت له فرصة عمل في قطاعها الحكومي "الأشغال العامة للمياه"، متجاهلة أي طلبات أمريكية لتسليمه، بل إنها قابلت الطلب الأمريكي بعبارة "الشخص المرغوب غير موجود على الأراضي القطرية"، وفيما كان فريق من مكتب التحقيقات الفيدرالية ينتظر في أحد الفنادق القطرية تسلم الرجل الثالث في تنظيم القاعدة، كانت السلطات القطرية تقوم بتهريبه خارج البلاد، إلى جهة آسيوية تكاد تكون معروفة.
السؤال المثير أين كانت قطر تخفي "شيخ محمد" بعدما علمت السلطات الأمريكية بوجوده على أراضيها؟
الجواب: في مزرعة خاصة يمتلكها وزير الداخلية القطري وقتها "عبدالله بن خالد" والمعروف بأنه أحد كبار المؤدلجين قاعديا، والداعم للمنظمات الإرهابية. هذا الوزير معروف عنه أنه سبق له أن التقى "أسامة بن لادن" في العاشر من أغسطس من عام 1996، إبان إقامته في السودان.
يعني لنا أن نتساءل، ونضع السؤال والجواب أمام أنظار الحائرين حول سبب المقاطعة العربية لقطر: "هل كان العالم قادرا على تجنب مأساة 11 سبتمبر 2001 لو امتنعت قطر عن تقديم مثل هذا الدعم للقاعدة ورجالاتها؟ وهل كان من الممكن إنقاذ أكثر من ثلاثة آلاف نفس بشرية بريئة، قضت نحبها في ذلك اليوم الحزين في نيويورك وواشنطن؟
فلنترك الجواب للباحثين، ولنحاول الربط بين الماضي والحاضر ولا سيما أن "جبهة النصرة" التي دعمتها قطر مؤخرا بنحو مليار دولار، ليست إلا الامتداد الطبيعي لتنظيم القاعدة، والتي هدف الدعم القطري لها لنشر المزيد من الفوضى في العالم العربي.
والشاهد أن هناك من تنبه إلى هذه العلاقة، وعليه فقد قام بفضح أركانها، وفي المقدمة من هؤلاء يأتي جهاز الاستخبارات الخارجية الأمريكية (CIA) الذي رصد تبادل المنافع والدعم بين الدوحة وبين القاعدة، وهو ما تم كشفه للملأ في سبتمبر من عام 2017 عبر وثائق رسمية للوكالة عينها.
وبخلاف الجانب الأمريكي، يمكننا التوقف مع كتاب فرنسي مثير قام بتأليفه الكاتبان الفرنسيان "نيكولا بوو، وجاك ماري بورجيه"، وعنوانه "قطر الصغيرة العدوانية.. هذا الصديق الذي يريد بنا شرا"، وعبر صفحات هذا المؤلف الخطير، تم فضح العلاقة بين الدوحة وجبهة النصرة في سوريا، والتي ولدت على الأرض مع زمن الثورات العربية المكذوبة.
ويبدو أن "الفدية" الكبيرة الأخيرة التي بلغت "مليار دولار" لم تكن الأولى من نوعها، فقد سبقتها -والعهدة على مؤلفي الكتاب- دفعات مالية تقدر بالملايين أرسلتها قطر لإرهابيين في العراق وسوريا منذ عام 2014.
لماذا الآن نعيد فتح ملف الإرهاب القطري؟
هناك حادثتان تدفعاننا في هذا الطريق، الأولى جرت بها المقادير في الداخل الإيطالي؛ حيث عثرت السلطات الأمنية ضمن مخبأ على أسلحة للنازيين والفاشيين الجدد على صاروخ "جو–جو" يستخدمه الجيش القطري، وبلغ الأمر أن صرح وزير الداخلية الإيطالي ماتيو سالفيني: "الدوحة تصب تركيزها على إيطاليا، باعتبارها لاعبا أساسيا في العلاقات الدولية، وأن الجماعات المتطرفة التي تلاحقها السلطات الإيطالية كانت تستهدف اغتيال سالفيني بالصاروخ القطري".
كيف استطاعت قطر إدخال أسلحة خطيرة إلى إيطاليا على هذا النحو؟ يبدو واضحا للغاية علاقاتها بالجماعات الانفصالية لا سيما الكرواتية القريبة جغرافيا من إيطاليا، وهذه التي تملك بدورها علاقة بعالم الجريمة المنظمة ومافيا تهريب السلاح في روسيا، وعبر الحدود ربما تسرب ما هو أكثر من الصاروخ.
الكارثة وليست الحادثة الثانية قادتنا إليها صحيفة "نيويورك تايمز" ذائعة الصيت في الولايات المتحدة الأمريكية، حين أعلنت حصولها على تسجيل صوتي للسفير القطري حسن بن حمزة هاشم، يؤكد تورط قطر في تفجيرات بمقديشو في الصومال نفذتها عناصر إرهابية متطرفة لدعم وتعزيز مصالح قطر.
التسجيل الصوتي كان عبارة عن مكالمة هاتفية للسفير القطري في الصومال، مع رجل أعمال مقرب من أمير قطر، قال فيها الأخير إن مسلحين نفذوا تفجيرات في ميناء "بوساسو" لتعزيز مصالح قطر.
هل ما أماطت نيويورك تايمز عنه اللثام هو كل القصة القطرية في الصومال ومن حولها؟
أغلب الظن أن الخفي في سردية الإرهاب القطري أكثر من الظاهر، والمؤكد أننا سنستمع قريبا للكثير من التفاصيل، وما نشاهده ليس إلا بداية التوجه الأمريكي للانقضاض على قطر بوصفها ذنبا من أذناب إيران، وهذه قصة أخرى.
العلاقة القطرية بالإرهاب الصومالي خاصة والأفريقي عامة ليست سرا يذاع؛ فالدوحة على تواصل مستمر مع حركة الشباب الإرهابية، ومع بوكو حرام وغيرهما مما نعرف أو لا نعرف، وفي قلب الدوحة يقيم "عبدالرحمن بن عمير النعيمي" الموصوم بالإرهاب بحسب تقرير لوزارة الخزانة الأمريكية، ووثيق الصلة بزعيم حركة الشباب الإرهابية حسن عويس.
الدوحة مثل قصة ضفدع لافونيتن الشهير، تنتفخ وتزاحم الأقوياء في القارة الأفريقية، مرة تدعم الإرهاب وتسعى لتأصيل الدواعش من جديد في قلب أفريقيا، ومرة أخرى تزاحم الروس والأوروبيين والأمريكيين لوجستيا واقتصاديا.
لن تنجو قطر كما تنبأ تيدوروف؛ فأحاديث الهمس في فنادقها المكيفة باتت تنشر غسيلا سيئ السمعة في إعلام العالم شرقا وغربا، والأسوأ لم يأتِ لها بعد.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة