الأسئلة والطروحات المتعلقة بالأمن والاستقرار في الخليج العربي لا تهدأ وآخذة في التصاعد.
الأسئلة والطروحات المتعلقة بالأمن والاستقرار في الخليج العربي لا تهدأ وآخذة في التصاعد، وأصبحت بنداً مهماً في تقييم مستقبل عدد من دوله. وفي الوقت الذي يوجد فيه قدر كبير من تسليط الضوء على وجود المشكلات المتعلقة بالأمن والاستقرار ذاتها، لا يوجد، بشكل موازٍ، قدر من الدراسة والتحليل المفيد أو الاهتمام الكافي بعدد من الحقائق الأساسية التي لها دخل بالموضوع.
من غير الممكن معرفة الأنواع والأوضاع الدولية والإقليمية التي ستطرأ مستقبلاً، وكيف يمكن لدول الخليج العربي المعنية أن تتكيف وتكيف مصالحها الوطنية المستقبلية واستراتيجياتها العظمى مع مصالح القوى الفاعلة، خاصة الولايات المتحدة، وسيبقى مسار أمن الخليج العربي لغزاً محيراً.
وفي الوقت الذي يوجد فيه تنفس للصعداء بعد نهاية كل حرب من الحروب الثلاث التي مرت بحوض الخليج العربي، لا يزال يوجد شعور، ربما يكون خفياً بالقلق والترقب، آتياً من مستجدات أكثر خطورة، آتية من النزعات الإيرانية الشديدة نحو التسلح بأشكاله وصوره كافة - تقليدية ونووية - ومن الأوضاع السياسية غير المستقرة في داخل إيران جراء تدهور الاقتصاد وتراجع قيمة العملة الإيرانية، وغيرها من بواعث عدم الاستقرار الداخلي، ومن عدم الاستقرار الداخلي والخارجي لقطر، بالإضافة إلى عدم الاستقرار بأنواعه كافة في العراق.
ويبدو لي أن هذا النمط من الشعور بالقلق متراكم لدى الدول الخليجية والإنسان الخليجي نتيجة تجارب الحروب الثلاث الماضية التي وقعت خلال فترة زمنية قصيرة، وبشكل فجائي وغير متوقع. بالإضافة إلى ذلك من وجود نظام عالمي أحادي القطب، تتسيّد على قمته الولايات المتحدة دون منافس، برغم محاولات روسيا الدؤوبة بعد نهاية الحرب الباردة، وانهيار الاتحاد السوفيتي السابق، العودة إلى الساحة الدولية بشكل عام والمنطقة العربية وجوارها الجغرافي بشكل خاص، لكن دون نجاح يذكر، برغم الذي يحدث في سوريا هذه الأيام، فالمعطيات والإمكانات التي وجدت أثناء الحرب الباردة ووجود الاتحاد السوفيتي بكامل عمقه السياسي والعسكري والاستراتيجي ليست هي نفسها الموجودة لدى روسيا اليوم.
النظام العالمي الموجود حالياً، خاصة بعد جعل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وجهته الأولى في زياراته الخارجية المملكة العربية السعودية، ينعكس بشكل مباشر على الخليج العربي أكثر من غيره من مناطق العالم الأخرى، بما في ذلك المحيط الهادئ، الذي هو محور الصراع الحقيقي بين الولايات المتحدة والصين القوة العالمية الجديدة المنافسة للولايات المتحدة وروسيا.
النظام العالمي هذا خلق وضعاً دولياً يتسم بطبيعة فيها قدر كبير من الهيمنة، فقد أسست القوى الدولية ذات المصالح فيما بينها علامات وخطوط حمراء لا يمكن تجاوزها، وأدى ذلك إلى لجوء دول الخليج العربي، وأقصد بالتحديد المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين ودولة الكويت، وسلطنة عُمان- مستثنياً قطر لأنها تغرد خارج السرب العربي الخليجي منذ زمن بعيد- إلى صياغة سياساتها الخارجية، بالإضافة إلى خياراتها الداخلية بوسائل نوعية لكي تتمكن من التكيف عبر هذه السياسات، مع المستجدات الناتجة عن هذا النظام الدولي أحادي القطب.
ومع وجود هذه المستجدات والأوضاع المتقلبة على مستوى العالم العربي، بدءاً بمصر مروراً بسوريا والعراق، وانتهاءً بحوض الخليج العربي، ووجود العداء الذي يبدو مستحكماً بين الإدارة الأمريكية الحالية وإيران، بالإضافة إلى عدم التيقن من الأدوار التي تريد كل من الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين والهند وإيران ذاتها أن تلعبها في مستقبل المنطقة، فإن من غير الممكن معرفة الأنواع والأوضاع الدولية والإقليمية التي ستطرأ مستقبلاً، وكيف يمكن لدول الخليج العربي المعنية أن تتكيف وتكيف مصالحها الوطنية المستقبلية واستراتيجياتها العظمى مع مصالح القوى الفاعلة، خاصة الولايات المتحدة، وسيبقى مسار أمن الخليج العربي لغزاً محيراً يحتاج إلى دراسات أمنية واستراتيجية متعمقة لفك تشابكاته.
نقلا عن "الاتحاد"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة