حماس والأراضي "الموزعة".. لغم في طريق المصالحة
تقارير رسمية أظهرت أن التعديات على الأراضي الحكومية تبلغ 11% بعد عام 2007 الذي بدأت فيه سيطرة حماس على القطاع.
تحت جنح الظلام، واصلت جرافات التجريف والحفريات أعمالها في الموقع الأثري "تل السكن"، جنوب مدينة غزة، خلال اليومين الماضيين، متحدية قرار وزارة السياحة والآثار بمنع أعمال التجريف.
ووفق مصدر فلسطيني مطلع لـ"بوابة العين"؛ فإن موظفين كبارا من حركة حماس، هم الذين يقومون بأعمال التجريف لفرض أمر واقع على المنطقة الأثرية، بعد تسلم حكومة الوفاق الفلسطينية مهامها في القطاع تنفيذا لاتفاق المصالحة.
واكتشفت أهمية الموقع عام 1998 خلال أعمال تجريف لبناء أبراج سكنية، وأقرت بعثة فرنسية- فلسطينية مشتركة بأهميته، وسجل لاحقا في اليونسكو، قبل أن يجد نفسه تحت أنياب الجرافات بعد قرارات تخصيص غير قانونية لصالح موظفين كبار من حماس.
ملف شائك
الضجة الكبيرة التي أثيرت على مواقع التواصل الاجتماعي حول الموقع، الذي لا تزيد مساحته عن 50 دونما، مرتبطة بمكانته الأثرية والتاريخية التي تعود لخمسة آلاف عام، فيما تبدو آلاف الدونمات في دائرة الضياع بفعل قرارات تخصيص غير قانونية أصدرتها حكومة حماس على مدار 10 سنوات من سيطرتها على القطاع، وفق تأكيدات خبراء لـ"بوابة العين".
وبين يدي تسلم حكومة الوفاق، تفتح "بوابة العين" الملف الشائك للأراضي الحكومية المهدورة، وسياسة التعامل معها خلال السنوات الـ10 الماضية، لا سيما وأن البعض يعتبره بمثابة "لغم" في طريق المصالحة,
وبحسب المصدر المسؤول؛ فإن حماس وزعت حوالي 1200 دونم من الأراضي الحكومية من مناطق شمال وجنوب قطاع غزة، على موظفيها، بدلا من متأخرات رواتبهم التي لم تستطع تأمينها خلال الأعوام الماضية، فيما خصصت آلاف الدونمات الأخرى لجهات ومؤسسات بشكل مخالف لأسس التخصيص التي يقر القانون على ضرورة مصادقة الرئيس الفلسطيني عليها.
تخصيص غير قانوني
وأكد فريح أبو مدين، وزير العدل الأسبق ورئيس سلطة الأراضي السابق، لـ"بوابة العين" أن أراضي الدولة وزعت بعد أشكال ما بين تأجير أراضي لشركات خاصة ومؤسسات خاصة لمدى قصير أو طويل، هناك تجار اشتروا أراضي دولة، هناك تخصيص أراضٍ لنشاطات تجارية تبقى باسم الدولة.
وأشار إلى أن أفضل أراضي غزة ذهبت تخصيصات بمساحات كبيرة للسكن والمصالح المختلفة، والأهم أن هناك أراضي في مواقع ذات أهمية كبيرة ذهبت لبناء منافع عامة لتحقيق أهداف خاصة من وراء العام.. مثل بناء مساجد في حرم البحر.
مساحة الأراضي
وأظهرت معطيات رسمية، حصلت "بوابة العين" عليها من سلطة الأراضي، أن مساحة الأراضي الحكومية تبلغ 112 ألف دونم، من أصل 365 ألف دونم مساحة القطاع، أي بما يمثل 31% منها.
ووفق هذه المعطيات، فإن مساحة التعديات على الأراضي الحكومية تبلغ 11%، بينما تبلغ مساحة الأراضي الواقع تحت سيطرة سلطة الأراضي 25 ألف دونم، خصص منها أكثر من 4670 دونما بعد عام 2007 الذي بدأت فيها سيطرة حماس على القطاع.
التخصيص بقوة السلاح
ويتهم وائل بعلوشة، المدير الإقليمي لمؤسسة الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة "أمان"، حكومة حماس السابقة بغزة، بأنها استخدمت نفوذها في توزيع الأراضي لموظفيها على حساب المواطن، مشددا على أنه لا يجوز لحكومة أيّا كانت أن تقوم بذلك دون قانون واضح".
وقال بعلوشة لـ"بوابة العين" إنه: "لا يجوز لأية جهة كانت أن تعمل تخصيص أراض لحل أزمة تعاني منها"، مشددا على أن التخصيص يكون لمنافع عامة ووفق القانون، وليست حسب مصالح خاصة.
بيع الأراضي الحكومية
وبحسب مصدر مطلع، فإن حكومة حماس، لجأت لبيع الأراضي الحكومية اعتبارا من عام 2010، لحل أزمتها المالية، حيث خصصت مساحات واسعة بمئات الدونمات في مناطق استراتيجية، وباعتها للتجار وكبار موظفيها.
وقال المصدر لـ"بوابة العين" إن حماس توسعت في هدر الأراضي الحكومية بعد عام 2015، وخصصت أكثر من 1200 دونم ووزعتها على موظفيها بدلا من المستحقات المتراكمة لهم، مشيرا إلى أن نواب حماس أقروا قانونا خاصا لتشريع ذلك، رغم إجماع القانونيين أن انعقاد المجلس غير قانوني، وبالتالي لا قيمة قانونية لقراراتهم الباطلة.
حق الأجيال
ويكشف خليل شاهين، مدير وحدة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، أن حكومة حماس تصرفت بنحو 10% من أصل 25 ألف دونم حكومية تقع تحت سلطة الأراضي، وهي نسبة عالية جدا مقارنة بعدد السنوات التي حكمتها، خاصة أن هذه الأراضي من حق الأجيال الفلسطينية.
وأوضح شاهين في حديثه لـ"بوابة العين" أن حكومة حماس استخدمت الأراضي لأكثر من جانب، بينها: تخصيصها للموظفين كبدل متأخرات، أو تخصيصها للاستثمار بمساحة كبيرة مثل أصداء ألف دونم، أو لجمعيات ومؤسسات أهلية بخلاف تخصيصات لأغراض مختلفة غير السابق.
وقال: "الأخطر في الفترة الأخيرة تخصيص أراض أثرية للموظفين كـ"تل السكن" الأثري، وهذا يمثل اعتداء على التاريخ الوطني"، مشيرا إلى أن التوزيع تم في كل محافظات القطاع وتركز بشكل كبير في محافظتي خان يونس والشمال.
مراكز سياحية
ومنذ بداية الانقسام، منحت حكومة حماس مئات الدونمات لشخصيات وجمعيات تابعة لها أقامت عليها مدنا ترفيهية وسياحية؛ إذ أقيمت مدن أصداء بخان يونس، والنور، بغزة، وبيسان في الشمال، وكل منها على مساحة تتراوح الألف دونم، وعليها مرافق ومسابح وتفرض رسوما على دخولها من الفلسطينيين، بحسب ما وثقته "بوابة العين".
ويؤكد زياد النجار، أمين سر نقابة المحامين الفلسطينيين، أن الأراضي الحكومية الموجودة في فلسطين هي ملك للشعب الفلسطيني وهي مقومات الدولة الفلسطينية المستقلة.
وقال النجار، إنه "لا يجوز لنا أن نستخدم الأرض لتسديد رواتب الموظفين بدل عملهم في الحكومة، هذا غير دستوري".
عقدة شائكة
ويبدو ملف سلطة الأراضي من الملفات المعقدة بعد تسلم حكومة الوفاق مهامها، إذ بينما تسلمت الحكومة الوزارات المدنية والهيئات الحكومية بقي ملف سلطة الأراضي عالقا وفق تأكيد عضو اللجنة المركزية لحركة فتح ومسؤول ملف المصالحة عزام الأحمد.
وأوضح الأحمد أن تسلم الحكومة مر بسلاسة في كل الوزارات بينما وقع خلاف في هيئتي سلطة البيئة والأراضي، وحل في الأولى وبقيت قضية الثانية عالقة حتى الآن.
ويجمع الخبراء على ضرورة استرجاع الأراضي المنهوبة، بصفتها خصصت بشكل غير قانوني.
ويقول أبو مدين: "يجب أن تعود أراضي الدولة، والعمل على تصحيح الخلل من خلال حلول إبداعية بعيدا عن الأرض، مثلا من الممكن أن يكون هناك صندوق مالي لتعويض الموظفين، وهناك جهات دولية أبدت استعداد للمساهمة في صندوق مالي يحل أزمة رواتب موظفي حكومة حماس".
أما بعلوشة فيؤكد أن عملية استرداد الأراضي يجب أن يحال الملف كله للحكومة للبت فيه، مبينا أن الحل سياسي بامتياز، ويجب أن يكون هناك توافق واضح بين السياسيين من فتح وحماس باتجاه تثبيت الأراضي المخصصة أو استرجاعها والبحث عن تعويضات أخرى مناسبة للموظفين.
ويتفق النجار مع أبو مدين وبعلوشة على ضرورة إعادة ملكية جميع الأراضي التي وزعت على الموظفين للدولة، وقال: "نحن أول من يدافع عن حقوق الموظفين، ولكن ليست على حساب أراضي الدولة".
aXA6IDE4LjExOS4xMjAuNTkg
جزيرة ام اند امز