تعلو هِمَم الأمم وقت الصعاب، وتظهر عزائم القيادات في زمن المِحَن.
هكذا هي الإمارات، التي قدمت قيادة وشعباً نموذجاً حياً وفريداً، ليس في قدرتها فقط على التكيف مع الشدائد، بل في إبداعها على صناعة الأحداث العالمية.
ويشكل "إكسبو 2020 دبي" تجسيداً فعلياً لما تتمتع به الإمارات من قوة ناعمة، وركائز صلبة، وسُمعة مرموقة على الساحة العالمية.
سيكون المعرض، الذى يقام كل خمس سنوات، الحدث الدولي الوحيد بهذا الحجم، الذي يعبر ويستوعب التنوع الثقافي والحضاري منذ بداية جائحة "كوفيد-19"، حيث تشارك مئات الدول، التي تستخدم الأجنحة لعرض أحدث ما وصلت إليه في الهندسة المعمارية والتكنولوجيا.
لقد فرضت القيود على السفر، وعمليات الإغلاق، التي لا تزال مستمرة، تأجيل الحدث، لكنها لم تُثن الإمارات عن هدف إقامة معرض "إكسبو 2020"، فقد ظلت الإمارات، بحسب تصريحات ريم الهاشمي، المديرة التنفيذية للمعرض، متمسكة بهدفها الذي كان قبل الجائحة، لا سيما أن حكومة الإمارات تعي أن انعقاد هذا الحدث على أرضها يقدم كثيرا من الفرص الاقتصادية والثقافية والسياسية، التي تسهم في تعظيم القوة الناعمة لدولة الإمارات، ويوفر بيئة خصبة لترسيخ التقاليد الدبلوماسية والثقافية، التي تنتهجها الإمارات، والتي تعتمد بصورة أساسية على تجذير ثقافة التعايش السلمي، وقبول الآخر، وتعزيز الحريات والمساواة.
تدرك الإمارات أن "إكسبو 2020" بداية انطلاقة لطموحات تتجاوز سقف إقامة معرض، في مقدمتها استقطاب وتوطين التكنولوجيا، وابتكار أخرى جديدة، تجعل الإمارات منصة رئيسية لانطلاق التقنيات التكنولوجية الحديثة، ونقطة انطلاق كذلك للشركات الأجنبية، ومركزاً للإبداع والابتكار العالمي، خاصة أن الإمارات توفر بيئة حاضنة للإبداع، نظراً لما تتسم به من مناخات الحرية والشفافية والاستثمار في العقول والمواهب.
اتبعت الإمارات استراتيجية فعالة ومغايرة في التحضير للحدث، ارتكزت في جوهرها على السيطرة على جائحة كورونا من خلال تعزيز الإجراءات الاحترازية، وتحديثها على النحو الملائم بما يحفظ التزامها باستضافة حدث استثنائي يُبهر العالم.
وسعت الإمارات إلى تعزيز الصورة الذهنية للأوضاع الصحية في الدولة لبث الطمأنينة بين الوفود المشاركة، والزوار المنتظرين، والمتوقع أن يتجاوز عددهم 20 مليون زائر.
تدشين الإمارات "إكسبو 2020"، أكبر معارض العالم وأعرقها، جاء بعد منافسة دولية قوية جرت وقائعها في 27 نوفمبر 2013، تمكنت خلالها الإمارات من الانتصار على منافسيها في عملية التصويت، التي جرت في العاصمة الفرنسية، وشاركت فيها الدول الأعضاء في المكتب الدولي للمعارض.
حصل ملف الإمارات على 116 من أصوات الدول الـ165 الأعضاء في "المكتب الدولي للمعارض"، وهو تصويت قياسي وغير مسبوق، ما اعتُبر إجماعاً على مكانة الإمارات واعترافاً بقوتها الناعمة وبموقعها على الساحة الدولية، وعلاقاتها التي تتسم بالود مع مختلف دول العالم.
وعلى الرغم من أن معارض "إكسبو الدولية" يمتد تاريخها على مدار 169 عاماً، فإن تنظيمه هنا في الإمارات يبقى استثنائياً، ومختلفاً عن كل ما سبق، لاعتبارات متنوعة، أهمها حرص الإمارات على دعوة كل دول العالم بلا استثناء، وذلك بما ينسجم مع توجهات السياسية الإماراتية، التي تسعى إلى تحويل المعرض إلى منصة إنسانية تتلاقى فيها الثقافات على اختلاف توجهاتها واتجاهاتها، لترسيخ سياسة التعايش والتسامح، التي تمثل ركيزة أساسية في صلب السياسة الإماراتية، حيث سيتم الاحتفال لأول مرة في المعرض بعيد الحب، والهالوين، ويوم اللغة العربية، ويوم الشعر العالمي، وعيد الأم، وستتمكن كل دولة مشاركة في المعرض من الاحتفال بيومها الوطني -أو يوم شرف- خلال الحدث، الذي يستمر ستة أشهر.
يمثل معرض "إكسبو دبي" النسخة الأكثر اهتماماً بعنصر الشباب، الذي يقع في قلب اهتمامات قيادة الإمارات، وظهر ذلك في حرص الجهة التنظيمية على إنشاء جناح للشباب تم بناؤه وإدارته بالكامل من قِبَل شباب، لتوفير مساحة إبداعية مفتوحة، تم تصميمها لتكون مركزًا لأنشطة الشباب في المعرض العالمي.
إن "إكسبو 2020" يتميز بطابع دولي بامتياز، فهو الأكثر شمولية وتنوعا في المشاركات الدولية مقارنة بجميع الدورات السابقة لمعارض "إكسبو"، حيث أكدت 192 دولة مشاركتها في "إكسبو 2020 دبي"، وهو إنجاز يؤكد الاحترام والثقة في القيادة الرشيدة والحكيمة لدولة الإمارات العربية المتحدة بين دول العالم.
كما أن الاستثنائية هنا لا تقتصر على ما سبق، فهو أول نسخة من معارض "إكسبو" العالمية، التي تشارك فيها مئات الدول، تُعقد في منطقة الشرق الأوسط.
"إكسبو 2020" برغم تزامنه مع تطورات كبيرة شهدها العالم في قطاعات متنوعة، فإنه من المتوقع أن يحقق هذا العام قفزة كبيرة في المجالات كافة، حيث سيشهد بما تتيحه الإمارات من إمكانيات غير مسبوقة، وقوة تنظيمية استثنائية ورؤية مستقبلية احترافية وريادة عالمية في مختلف المجالات، فلأول مرة في تاريخ معارض "إكسبو"، توفر دولة الإمارات الإمكانيات اللازمة لإقامة جناح خاص بكل دولة من الدول المشاركة في الحدث الأكبر من نوعه في المنطقة.
المعرض، المقرر انطلاقه مطلع أكتوبر القادم، يستدعي للذاكرة ما قاله الشاعر الفلسطيني محمود درويش: "على قدر حلمك تتسع الأرض"، وبالنسبة للقيادة الإماراتية، التي تحمل ألوية الريادة والتحديث في عالمنا الراهن، فإن تنظيم ورعاية "إكسبو" هو للحالمين، والموهوبين فقط، فقد حلمت الإمارات الموهوبة بالريادة، وصناعة المعجزات، فأثبتت قدرتها على استضافة المحافل الدولية بجدارة واحترافية، وبقدرة استثنائية على صناعة الأحداث في زمن المخاطر والأوبئة، التي يشهدها العالم، وهو الأمر الذي أكده صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، من استعداد دولة الإمارات للترحيب بالعالم في أضخم حدث على أجندة الفعاليات العالمية الكبرى، وتابع سموه أن "التجربة التي سيشهدها العالم في معرض دبي ستكون غير مسبوقة".
"إكسبو 2020" حدث يعبر عن عبقرية المكان وعبقرية القيادة، التي حفرت بحروف من ذهب اسم الإمارات عميقاً على الخريطة العالمية، باعتبارها صاحبة السبق في صناعة التميز والتفرد، وتجسيد الأحلام في واقع ونجاحات على الأرض، وهو ما بيّنه تصميم جناح الإمارات داخل المعرض على شكل صقر يستعد للتحليق، في استدعاء لجزء أصيل من التراث الإماراتي وربطه برغبة البلد المضيف في التحليق نحو مستقبل أكثر تطوراً.
سيأخذ صقر الإمارات الطائر في عنان السماء زواره في رحلة لاستكشاف الإمارات والتعرّف على ماضيها وحاضرها، ورؤيتها للمستقبل، عبر محتوى يعكس تراث وقيم المجتمع الإماراتي، الذى يتسم بالتنوع والتسامح، وستروي محتويات الجناح الإماراتي حكاية دولة نجحت في توظيف إرثها القديم كمنصة انطلاق ونقطة عبور نحو الريادة العالمية.
لذا، فإن براعة الإمارات ستنجح بلا شك في تقديم نموذج مغاير لمعارض "إكسبو"، وستنجح في تصدير صورة ذهنية مغايرة عن عالمنا العربي، وإعادة تأكيد أن العرب قادرون على صناعة الغد المشرق، لذا كان لافتاً اختيار الإمارات بذكاء شعار "تواصل العقول.. وصنع المستقبل" عنواناً لحملة استضافة "معرض إكسبو الدولي 2020".
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة