بإعلان سفيرة أمريكا ببيروت، قبول بلادها إمداد لبنان بالطاقة من مصر عبر خط الغاز العربي، المار بسوريا والأردن، توجّه الاهتمام إلى درعا.
تلك المحافظة في الجنوب السوري، التي شهدت تصعيداً عسكرياً قبل أسابيع، ليعود الهدوء الحذر إليها بعد جهود مختلف أطراف النزاع هناك لوضع حدٍّ للتوترات العسكرية، خاصة أن تلك المنطقة كسبت أهمية أكبر بعد إعلان واشنطن الأخير، حيث من المتوقع أن تمرّ فيها أنابيب الغاز المصري، علاوة على وجود أبراجٍ كهربائية ستحتاج إليها القاهرة وعمّان، إذا ما عملتا على توفير الكهرباء للبنان بشكلٍ أسرع.
وبعد الإعلان الأمريكي توالت التسويات العسكرية داخل المحافظة، وعلى إثرها تراجعت المعارضة المسلحة، حيث تنازل المئات من مقاتليها المحصنين داخل درعا عن أسلحتهم، وبالتالي إنهاء المواجهات المسلّحة مع الجيش السوري وحصر الأمور الأمنية في يد قواتٍ منضبطة، عوضاً عن المليشيات، التي لا تملك قيادةً واحدة ولا أي تنسيق مشترك، الأمر الذي يتيح المجال للحكومة السورية لصيانة الأعطال في الأبراج الكهربائية، وتأمين خط الغاز العربي الذي سيمر في تلك المنطقة، وصولاً إلى الأراضي اللبنانية.
كما أن تلك التسويات، التي تمّت برعايةٍ روسية، تسهم في إعادة ضبط الحدود السوريةـ الأردنية، ما يعني إمكانية زيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين، والذي تأثّر سلباً نتيجة العمليات العسكرية التي شهدتها تلك المناطق، عقب اندلاع الاحتجاجات الشعبية في سوريا قبل أكثر من عقدٍ من الزمن.
إضافة إلى أن وجود قوات منضبطة في محافظة درعا ومحيطها سيسهم في الحد من عمليات تهريب الأسلحة والمخدّرات باتجاه الأردن، والتي ارتفعت وتيرتها في الآونة الأخيرة.
وقد اكتسبت درعا، ومعها مختلف المناطق الجنوبية من سوريا، أهمية إضافية أكبر مع مشروع خط الغاز العربي، إلى جانب أهميتها الاستراتيجية السابقة بوقوعها على الحدود مع الأردن وبالقرب من حدود إسرائيل، لهذا بات من الضروري أن تكون تلك المناطق منضبطة أمنياً وهادئة، وهو ما تعمل عليه الحكومة السورية وموسكو بالاتفاق مع الأردن، الذي يتخوف دائماً من اندلاع مواجهات بين إسرائيل وبين المليشيات الإيرانية المسيطرة في عدد من مناطق الجنوب السوري.
لذلك قد يتكرر ما حصل من تسويات في درعا في مدينة السويداء أيضاً، والتي تشهد عمليات تهريبٍ واسعة للأسلحة والمخدّرات على الحدود الأردنية، إلى جانب حصول عمليات خطف للمدنيين في مختلف مناطقها.
وحتى الآن يواصل المئات من مقاتلي المعارضة المسلّحة في أرياف درعا التنازل عن أسلحتهم، لكن العقبة الوحيدة التي تقف أمام الهدوء في الجنوب السوري حالياً تكمن في أن بعض مناطقه تحوّلت خلال السنوات الماضية إلى بؤرة للمليشيات المدعومة من طهران، التي تروج أنها من خلال تلك المناطق تشكل قاعدة تهديد لتل أبيب، ومعبراً لتهريب الأسلحة والمخدّرات إلى الأردن.
وقد عبّرت عمّان باستمرار عن رفضها وجود تلك المليشيات على حدودها، لذلك تسعى اليوم إلى أن تكون تلك المنطقة بيد قواتٍ منضبطة عوضاً عن مليشياتٍ متفلتة.
الأردن يدرك جيداً تراجع الدور الأمريكي في جنوب سوريا وأن واشنطن لم تعد تمتلك أوراق ضغط كثيرة على دمشق بسبب الوجود الروسي في تلك المنطقة عسكرياً وأمنياً، لذلك تسعى عمّان إلى التفاهم مع موسكو، خاصة أن طهران ترفض التعاون الأمني السوري ـ الأردني، الذي من شأنه أن يحد من تأثير المليشيات المسلّحة المدعومة منها في تلك المناطق.
وبالتالي، يؤكد إعفاء واشنطن عمّان وبيروت والقاهرة من تبعات "قانون قيصر"، المفروض على دمشق، أن خط الغاز العربي تحوّل إلى أمرٍ واقع، وأنه يستدعي التنسيق الكامل بين الأطراف المعنية كافة لتأمين المناطق الجنوبية من سوريا، الأمر الذي يعني بالضرورة مواجهة النفوذ الإيراني فيها وإبعاد مليشيات طهران عنها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة