كيف يواجه أبناء أثرياء الصين غضب الحكومة؟.. مناورات في الظلام
في الصين لا يوجد شخص فوق القانون، بدءا من جاك ما مؤسس علي بابا، وصولا للممثلة فان بينجبينج المعتقلة في 2018 بسبب التهرب الضريبي.
وتشهد الصين الآن تحولات كبيرة، فالدولة التي بدأت نهضتها في ثمانينيات القرن الماضي على يد الرئيس دنيج شياو بينج، بإطلاق إصلاحات اقتصادية مشجعة للسوق، تواجه معضلة ظهور طبقة كبيرة من الأثرياء ينفصلون بشكل كبير عن المجتمع، بحسب بلومبرج.
وتحتل الصين المرتبة الثانية خلف الولايات المتحدة الأمريكية من حيث عدد الأثرياء، فهي تضم 5.8 مليون ثري من أصحاب ملايين الدولارات، ويبلغ عدد الأشخاص الذين تفوق ثرواتهم 50 مليون دولار نحو 21100 مليونير.
لكن على الجانب الآخر، حلت الصين في المرتبة 45 من بين 82 دولة بمؤشر تقارب الطبقات الاجتماعية التابع للمنتدى الاقتصادي العالمي في 2019.
هي الفوارق التي أكدها إعلان رئيس الحكومة الصيني لي كه تشيانج في مايو/ أيار الماضي بأن 600 مليون صيني يعيشون بدخل شهري يبلغ ألف يوان فقط (150 دولارا)، في الوقت الذي يبزغ فيه نجم ملياردير واحد على الأقل في البلاد كل أسبوع.
من هنا أطلق الرئيس الصيني شي جين بينج في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي مصطلح "الازدهار المشترك" كهدف أسمى للبلاد، وهو ما يعنى أن تقليص الفوارق الاجتماعية بات هدفا مطلوبا.
أبناء الأثرياء في الصين
خلال سنوات سابقة عاش أبناء الأثرياء الصينيين أو ما يعرفون بالـ"فوريداي" حياة البذخ المعلنة، من نشر صورهم على مواقع التواصل الاجتماعي مع السيارات الفارهة، والكماليات باهظة الثمن منها ساعات أبل الذهبية التي تُزَين حيواناتهم الأليفة.
كل هذا كان يتم غض البصر عنه في وقت سابق، أما الآن فالملاحقات القانونية وحالات الاختفاء لبعض الأثرياء مثلما حدث مع مؤسس إمبراطورية علي بابا، غيَر مجرى حياة الـ"فوريداي" من الاستعراض تحت الأضواء إلى إخفاء ممارسات الترف بعيدا عن الأعين.
تقول "بلومبرج" إن أبناء الأثرياء يدركون جيدا أنه لا مجال للعبث مع الحزب الشيوعي، وإن كان أغلبهم يستبعد تسرع الحكومة في مصادرة أموالهم، نظرا لتأكيدها أكثر من مرة على أهمية مشروعات ريادة الأعمال في تحقيق النمو.
وهو التحول الذي عبر عنه تو هاوران، البالغ من العمر 32 عاما، ومؤسس شركة فانتزي إنترتايمنت للموسيقى، قائلا "تعلمنا أن نحسن سلوكنا حين رأينا عائلات أصدقائنا تتعرض للملاحقة والسجن منذ عام 2016".
ويضيف "الآن يبتعد الجميع عن الأضواء، فلا داعي لأن يعرف العالم بأسره بأنك تملك المال، فهذا لن ينفع بشيء".
وخلال أحاديث لبلومبرج مع أبناء أثرياء تم الاكتفاء بذكر أسماء عائلاتهم، تم ملاحظة أن هذا الجيل يعيش في عزلة بعيدا عن باقي فئات المجتمع.
فيقول هوانج، البالغ من العمر 25 عاما، "لم أكن أعي أنني ثريا للغاية، إلا حين بدأت دراسة التمويل بجامعة نيويورك، فرع شانجهاي، آنذاك أدركت أنني لست مضطرا للعمل طوال حياتي".
فيما اعتبر وانج، وهو نجل مليونير في مجال الإعلام، "أن اتباع المسار الذي تضعه الحكومة هو الأفضل، خاصة أنه وأصدقائه من الأثرياء يرغبون في جمع ثرواتهم بأنفسهم، بدلا من الخوف من سلب أموال آبائهم.
ويشير وانج إلى أن والده يتعمد وضعه بعيدا عن الأضواء إذ يقول "أحصل على مصروف محدود، وليس لدي بطاقة ائتمان، حتى لأنفق ببذخ تجنبا للفت الأنظار".
وقد حقق الآباء الأثرياء ثرواتهم خلال فترة صعود الصين، بعد أن احتكروا صناعات جديدة بفضل الوصول المبكر للأسواق الخارجية، مع بناء محافظ ضخمة من الأسهم والعقارات".
الفوارق الاجتماعية
ليس من السهل الالتحاق بطبقة الأثرياء في الصين، فبحسب تقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الصادر عام 2018، فإن الشخص المولود في الطبقة الأفقر والتي تشكل 10% من السكان في الصين، يحتاج إلى سبعة أجيال حتى يقترب من تحقيق متوسط الدخل في البلاد.
وفي ضوء ذلك، تدرس السلطات الصينية منذ سنوات مقترحات لتقليل الفوارق الاجتماعية، مثل فرض ضرائب على الثروات والعقارات والميراث، ولكن لم يتم تطبيقها حتى الآن بسبب مخاوف إلحاق الضرر بالطبقة المتوسطة.
ويعلق شي فوزهان، رئيس الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، قائلا "مثل هذه الضرائب لن تحل مشكلة انعدام المساواة، بل أنه يجب التفكير في كيفية جعل قطعة الجبنة أكبر، ثم توزيعها بشكل أفضل".
كما اتخذت الحكومة إجراءات أوسع لمكافحة الفساد، عبر تدشين أنظمة آلية لمراقبة التدفقات المالية، والإلزام بتقديم كشوفات أكثر عند تحويل الأموال إلى الخارج، وإن كان يمكن اختراقها عبر تأسيس صناديق ائتمانية، والحصول على جوازات سفر أجنبية، أو تحويل الأصول للأقارب.
aXA6IDE4LjIyMi43OC42NSA= جزيرة ام اند امز