مؤرخ إثيوبي يروي لـ"العين الإخبارية" مشاهد هجرة الصحابة للحبشة
ضمن نفحات شهر رمضان المبارك، نتجول مع الأكاديمي والمؤرخ الإثيوبي البروفيسور، آدم كامل فارس، حول هجرة صحابة النبي ﷺ إلى الحبشة.
ونرصد خلال هذا الرحلة تفاصيل الهجرتين الأولى والثانية لصحابة رسول ﷺ، والأسباب التي دفعتهم للهجرة وطريق الرحلة المباركة وأهم الصحابة الذين كانوا ضمن الهجرة الثانية.
بدأ كامل حديثه لـ "العين الإخبارية" موضحا أن الهجرة إلى الحبشة تعد أول هجرة في التاريخ الإسلامي، والإلمام بها يتطلب معرفة أسباب الهجرة وما دافع النبي محمد ﷺ لذلك، والظروف التي جعلته يوجه أصحابه بالهجرة، ولماذا الحبشة؟
دواعي الهجرة
وأشار كامل إلى أن دعوة الإسلام في بادي الأمر كانت سرية حتى أمر الله رسوله النبي محمد ﷺ بالجهر بالدعوة في عامها الثالث وهو ما لم تقبله قريش التي كانت ترى في دعوته مناهضة لدينها وتسفيه لمعتقداتهم.
وقال إن مبادئ دعوة النبي محمد ﷺ أصبحت وقتها جريمة تعاقب عليها قوانين قريش ويترتب على كل من قبل الدعوة الحبس والتشريد والاستيلاء على ممتلكاته، معتبرا ذلك من الأسباب التي دفعت محمد ﷺ بأن يوجه أصحابه بالهجرة، وكان الخيار هو أرض الحبشة بعد أن أذن الله بذلك.
وأضاف كامل أن هذه الظروف الصعبة التي واجهت النبي محمد ﷺ وأصحابه دفعته في البحث عن ملاذ آمن لأصحابه حتى جاءت التوجيهات الربانية بذلك، مشيرا الى أن النبي محمد ﷺ قال لأصحابه: "لو تفرقتم في الأرض حتى يجعل الله فرجا ومخرجا مما أنتم فيه" ودعاهم للتوجه إلى الحبشة، قائلا: "اذهبوا إلى الحبشة فإن فيها ملكا صالحا عادلا لا يظلم عنده أحد وهي أرض صدق".
مسار الرحلة
وتابع كامل أن الهجرة النبوية للحبشة كانت على مرحلتين: الهجرة الأولى والثانية، فالهجرة الأولى ضمت 12 رجلا و4 نساء من الصحابة وتوجهت إلى الحبشة بعد أن أشار عليهم محمد ﷺ بذلك.
وأوضح كامل أن هؤلاء الصحابة انطلقوا من ميناء الشعيبة في الحجاز مستخدمين القوارب التجارية ووصلوا إلى ميناء أدوليس "عدوليس" على بعد 30 ميل من ميناء مصوع الإريتري حاليا، والذي كان الميناء الرئيسي لحكومة أكسوم في تلك الفترة على البحر الأحمر.
وطلب النبي ﷺ من صحابته الهجرة إلى أرض الحبشة، في السنة الخامسة من البعثة (615 ميلادية)، وذلك بعد ما حوربت رسالته بضراوة في مكة المكرمة. وقال كامل، إن الصحابة نزلوا في قرية اسمها "كونبة" تقع بين منطقة عفار وتجراي وظلوا بها قبل أن ينتقلوا إلى منطقة أكسوم وذلك في شهر رجب في السنة الـ5 من البعثة.
وأشار إلى أنهم أقاموا شهرين ونصف في منطقة أكسوم حتى وردتهم أنباء غير مؤكدة بأن الرسول ﷺ كان يقرأ في إحدى الليالي سورة النجم فسجد سجود التلاوة، وسجد أهل مكة ومن بينهم أبو جهل، وهذا الخبر نقل عن طريق غير رسمي إلى الصحابة المهاجرين بأن أهل مكة أسلموا، وقالوا ما دام أسلم أهلنا في مكة فمن الأفضل أن نعود إلى مكة، وعادوا فورا.
وتابع كامل أنه مع الأسف لم يكن الأمر صحيحا بل وجدوا الوضع أسوأ مما كان في السابق، وأصبح أهل مكة أشد قساوة على المسلمين من السابق، مضيفا أنه على الرغم مما وجدوه من قساوة لكن كانت هناك حكمة ونتائج إيجابية من عودتهم، حيث أن أكدوا للرسول ﷺ أنهم وجدوا الملك كما قيل (ملكا عادلا صالحا لا يظلم عنده أحد وهي أرض صدق فعلا)
الهجرة الثانية
وأضاف أن من النتائج الإيجابية أيضا زيادة عدد المقبلين على الدعوة وبالتالي زاد المهاجرين في الهجرة الثانية حتى بلغ عددهم أكثر من 100 صحابي، وانضم إليهم 50 مهاجرا من اليمن لجئوا إلى الحبشة.
وقال إن الهجرة الثانية للحبشة كانت بإمارة الصحابي الجليل "جعفر بن أبي طالب"، ابن عم الرسول ﷺ ووصلوا إلى الحبشة الأمر الذي زاد من قلق قريش وخوفها بأن يجد أصحاب الدعوة الجديدة مكانا يحميهم ويأويهم وهو ما يهدد مشروعهم الساعي إلى القضاء على الدعوة الجديدة.
وأوضح كامل أن مخاوف قريش من هجرة الصحابة إلى الحبشة كانت منطقية وحقيقية ووقتها كانت الجزيرة العربية محاطة بأربعة ملوك أقوياء وهم (كسرى، وهرقل، والمقوقس، والنجاشي) وقال إن حصول أصحاب محمد ﷺ على دعم ومساندة وحماية من قبل ملك عادل يهدد قريش بانتشار الدعوة التي ناهضوها.
ولفت إلى أن قريش لم تلجأ إلى استخدام القوة أمام حماية الملك العادل وإنما اختارت الأسلوب السياسي والحوار فأرسلوا داهية العرب حينها "عمرو بن العاص" كما أن أصل والدته من الحبشة، وتم تكليفه مع مجموعة لمقابلة الملك النجاشي وإعادة المهاجرين من الحبشة فورا.
لحظة المواجهة
والتقى عمرو بن العاص بالقساوسة أولا ومن ثم تعرض القضية على الملك النجاشي الذي رفض أن يعيدهم إلا بعد التعرف على هذه المجموعة "المهاجرين"، وقال النجاشي إنه لن يأخذ أي قرار إلا بعد التعرف على دينهم ولماذا اختاروا الحبشة وجهة لهم.
ولفت كامل إلى أن القساوسة اعترضوا على قرار الملك مبررين ذلك بعدم وجود أي علاقة بينهم وبين هذه المجموعة المهاجرة من جزيرة العرب، لا علاقة عقيدة ولا لغة ولا جنس، وحتى العقيدة التي جاءوا بها ليست عقيدة أهل مكة إنما هي عقيدة جديدة ولا ندري ما مصدرها.
هكذا برر القساوسة اعتراضهم لكن الملك النجاشي المعروف بالعدل أصر على أن يسمع من المهاجرين الفارين بدينهم واستدعاهم إلى قصره، وعقدت جلسة بالقصر، الشاكي فيها ورافع الدعوى (عمرو بن العاص) فيما تولى الصحابي (جعفر بن أبي الطالب) مهمة الدفاع عن أصحابه المهاجرين، في حضرة القاضي الملك النجاشي، بينما مثل القساوسة الشهود في الجلسة.
وتابع كامل أن الملك النجاشي رفض إعادتهم وأمن لهم السكن والاقامة والحرية الدينية، وقال النجاشي لـ "عمرو بن العاص" الذي جاء بالهدايا "خذ ذهبك وعد إلى بلادك ولا نسلمك هؤلاء الأشخاص، وأصبح من يومها الصحابي الجليل "جعفر بن أبي طالب" أول دبلوماسي يدافع عن هذه القضية نيابة عن الرسول ﷺ.
واستعرض المؤرخ الإثيوبي أهم الشخصيات البارزة من الصحابة الذين كانوا ضمن الهجرة الثانية، موضحا أنهم نحو 183 صحابيا هاجروا إلى الحبشة وامضوا بها 16 سنة إلى أن تمكن الرسول ﷺ عسكريا وماديا ومعنويا.
وقال إن من بين الصحابة المهاجرين كان الخليفة الراشد عثمان بن عفان، وزوجته رقية بنت الرسول ﷺ، وكانت حينها حامل بابنها عبدالله، الذي ولد في الحبشة، وأربعة من العشرة المبشرين بالجنة وهم (عبدالرحمن بن عوف، والزبير بن عوام، وعثمان ابن عفان، وأبو عبيدة بن جراح، أمين هذه الأمة)
فيما كان من العلماء عبدالله بن مسعود، ومن الدعاة أبو موسى الأشعري، ومن القادة في الإسلام شرح بن الحسن والمقداد بن الأسود، بجانب جعفر بن أبي طالب ومن الدبلوماسيين فوق العادة مصعب بن عمير، وعبدالله بن حذافة السهمي.
وأشار إلى أنه مات ودفن في الحبشة من الصحابة 10 من الرجال و5 من النساء، حيث تحتضن أرض الحبشة أبدانهم الطاهرة.