الإيدز.. قصة «المرض القاتل» من البداية حتى العلاج
قبل نحو 43 عاما، وثقت تقارير صحية أمريكية في 5 يونيو/حزيران من عام 1981، ظهور أمراض غريبة في نيويورك وكاليفورنيا.
فقد أصيب شباب مثليون يتمتعون بصحة جيدة بساركوما كابوسي، وهو سرطان يوجد عادة في الذكور الأكبر سنا، وكان آخرون يصابون بنوع نادر من الالتهاب الرئوي.
وبعد مرور عام، أصبح للمرض الغامض اسم "متلازمة نقص المناعة المكتسب" أو الإيدز، فقد دمر جهاز المناعة وترك الجسم عرضة لجميع أنواع العدوى.
وفي عام 1983، اكتشف العلماء الفيروس المسبب لمرض الإيدز، وأطلقوا عليه فيما بعد اسم فيروس نقص المناعة البشرية (HIV)، وكان السباق مستمرا للحصول على علاج لوقف هذا المرض الفتاك.
هدف صعب
وتبين أن فيروس نقص المناعة البشرية يصعب قتله، لسبب واحد، فهو يهاجم الخلايا المناعية التي تسمى الخلايا التائية المساعدة، والتي تحمي عادة من الغزاة مثل فيروس نقص المناعة البشرية، وإذا تم تدمير عدد كافٍ من الخلايا التائية، فإن ذلك يترك جسمك بلا دفاع ضد الفيروس وغيره من أنواع العدوى "الانتهازية".
وفيروس نقص المناعة البشرية هو فيروس قهقري، يختلف عن الفيروسات مثل تلك التي تسبب نزلات البرد والإنفلونزا، إذ يعد الفيروس القهقري أكثر كفاءة في خداع الخلايا المضيفة في جسمك لعمل نسخ متعددة من نفسه والتسبب في عدوى مدى الحياة.
وبحلول عام 1987، كان فيروس نقص المناعة البشرية قد أصاب 32 ألف شخص في الولايات المتحدة وحدها، مات أكثر من نصفهم.
اختراق دواء فيروس نقص المناعة البشرية
واكتشف الباحثون أن دواء السرطان الفاشل من الستينيات، "زيدوفودين"، أوقف فيروس نقص المناعة البشرية من التكاثر وساعد الأشخاص المصابين بالإيدز على العيش لفترة أطول.
وأصبح الدواء المسمى أيضا أزيدوثيميدين (AZT) متاحا في عام 1987، ويباع تحت الاسم التجاري (Retrovir)، ويعمل "أزيدوثيميدين" عن طريق منع البروتينات التي تسمى الإنزيمات التي يحتاج إليها الفيروس لتكرار نفسه.
ووافقت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية على عقار" أزيدوثيميدين" في أقل من 4 أشهر، مما أدى إلى تسريع عملية تستغرق عادة سنوات عديدة، و يساعد على منع تفاقم الحالة، لكنه لا يقضي تماما على الفيروس.
وكان لدواء "أزيدوثيميدين" عيوب، إذ يتسبب في آثار جانبية مثل مشاكل الكبد وانخفاض عدد خلايا الدم التي يمكن أن تكون مميتة، وكان أيضا في ذلك الوقت أغلى دواء في التاريخ، حيث بلغ سعره لمدة عام واحد 16500 دولار بسعر اليوم.
وعلى مدى السنوات العديدة التالية، وافقت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) على العديد من الأدوية الأخرى التي تعمل بشكل مشابه لـ "أزيدوثيميدين"، وكانوا ينتمون إلى فئة دوائية تسمى مثبطات إنزيم المنتسخة العكسية (NRTIs).
فئة جديدة من مضادات الفيروسات القهقرية
وبحلول أوائل التسعينيات، كان فيروس نقص المناعة البشرية هو السبب الأول للوفاة بين الأمريكيين الذين تتراوح أعمارهم بين 25 و44 عاما، والمشكلة الكبيرة في العلاج بدواء واحد مثل "أزيدوثيميدين"، هي أن الفيروسات تتعلم التغيير، أو التحور، وبالتالي تتوقف الأدوية عن العمل بمرور الوقت.
وفي عام 1995، وافقت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية على "الساكوينافير"، وهو الأول في فئة مختلفة من الأدوية المضادة لفيروس نقص المناعة البشرية (مضادات الفيروسات القهقرية) تسمى مثبطات الإنزيم البروتيني، والتي تمنع الفيروس من نسخ نفسه، ولكن في مرحلة مختلفة أثناء العدوى، لم تصل لها العلاجات الأخرى.
وبعد مرور عام، ظهرت فئة أخرى من مضادات الفيروسات القهقرية، تسمى مثبطات المنتسخة العكسية غير النيوكليوزيدية (NNRTI)، بما في ذلك النيفيرابين (فيراموني).
وعلى غرار "أزيدوثيميدين"، تعمل مثبطات المنتسخة العكسية غير النيوكليوزيدية، على إيقاف فيروس نقص المناعة البشرية عن طريق استهداف الإنزيمات التي يحتاجها للتكاثر.
ومهدت هذه الأدوية الطريق لعصر جديد من العلاج المركب لفيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز، وبدأ الأطباء في وصف "الساكوينافير"، بالإضافة إلى أزيدوثيميدين أو مضادات الفيروسات القهقرية الأخرى، وأُطلق على هذا العلاج المركب اسم العلاج المضاد للفيروسات القهقرية عالي النشاط (HAART) ، وأصبح هذا النهج هو المعيار الجديد لرعاية فيروس نقص المناعة البشرية في عام 1996.
وأدى العلاج المضاد للفيروسات القهقرية (HAART) إلى إطالة عمر الأشخاص المصابين بالإيدز بشكل كبير.
الحبوب المركبة
ويتطلب العلاج المضاد للفيروسات القهقرية، تناول العديد من الحبوب كل يوم، ودفعت الجرعات المتعددة والآثار الجانبية للأدوية العديد من الأشخاص إلى التوقف عن علاج فيروس نقص المناعة البشرية، ثم في عام 1997، وافقت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية على قرص يسمى" كومبيفير"، يحتوي على عقارين مضادين لفيروس نقص المناعة البشرية وكان من الأسهل تناوله.
وبعد ما يقرب من عقدين من ظهور فيروس نقص المناعة البشرية والإيدز، كانت هناك عشرات من الأدوية المضادة للفيروسات القهقرية في السوق.
قفزة جديدة
وحدثت قفزة أخرى في علاج فيروس نقص المناعة البشرية في عام 2010، فقد أظهرت دراسة أن تناول جرعة يومية من مضادات الفيروسات القهقرية لم يساعد المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية فحسب، بل يمكنه أيضا حماية الأشخاص الأصحاء من الإصابة بالعدوى.
وفي عام 2012، وافقت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية على عقار "تروفادا" مرة واحدة يوميا للوقاية قبل التعرض، وفي عام 2021، حصل عقار "كابوتيجرافير" القابل للحقن (Apretude) الممتد المفعول على موافقة إدارة الغذاء والدواء، ويتم إعطاؤه أولا على شكل حقنتين يفصل بينهما شهر واحد، ثم كل شهرين بعد ذلك.
وعند تناول هذه الأدوية، وفقا للإرشادات، يمكن أن يقلل ذلك من خطر الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية إلى الصفر تقريبا.
وتوصي فرقة العمل المعنية بالخدمات الوقائية بالولايات المتحدة الآن بأن يقوم أي شخص معرض لخطر الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية بتناول أدوية الوقاية قبل التعرض، ويشمل ذلك الرجال الذين يمارسون الجنس مع الرجال، والأشخاص الذين يمارسون الجنس المحفوف بالمخاطر دون وقاية، وأولئك الذين يتعاطون المخدرات عن طريق الحقن.
aXA6IDE4LjExOS4xNjMuOTUg جزيرة ام اند امز