الفلسطينية هدى المشهراوي لـ"العين الإخبارية": كتبت عن "شاتيلا" برومانسية طفلة
"العين الإخبارية" تجري حوارا مع الكاتبة الفلسطينية المقيمة بالسويد هدى المشهراوي حول كتابها "صور المخيم" ومشاريعها في الرواية والكتابة.
تفتّحت طفولة الكاتبة الفلسطينية المُقيمة بالسويد هدى المشهراوي على حكايات مُخيم شاتيلا الذي شبّت بين لياليه على ثقافة وطنها الذي تدب فيه، وعلى التدليك بزيت الزيتون لتسكين الألم، وعلى صوت الجيران والجدة أم عدنان، وعيادة الأنروا وإسطبل الخيل المجاور، وقلوب الأطفال الصغيرة التي تتنفس أحلام آبائهم وقضيتهم الكبيرة.
وبعد أعوام طويلة على الرحيل من المُخيم، واجهت مصيرا جديدا قادها لهجرة أخرى عن الوطن بعيدا إلى السويد، توقفت المشهراوي مع ذاكرتها التي كانت لا تزال مُعبّأة برومانسية الطفولة، ودوّنت هذه الرومانسية في كتاب صدر أخيرا بعنوان "صور المخيم" الذي تحاشت أن يكون كتابة نمطية عن عالم المخيمات.
وقبل أيام كانت الكاتبة الفلسطينية هدى المشهراوي تقرأ مقاطع من روايتها "علاقات خارج الإطار" التي صدرت مطلع هذا العام باللغة السويدية، وذلك خلال معرض كتاب بمنطقة أنجريد بمدينة جوتنبرج السويدية التي تدور في فلك عالم اللجوء والهجرة التي تتفاعل معها كتاباتها بشكل كبير.
في حوارها لـ"العين الإخبارية" أكدت الكاتبة هدى المشهراوي أن المرأة هي همها الأول في الكتابة دائما، وأنها تكتب عن معاناتها وعن التابوهات المرتبطة بها.. وإلى نص الحوار:
- حدثينا عن الفعالية التي شاركت بها أخيرا في السويد؟
أشارك في فعالية لمعرض كتاب بمنطقة أنجريد بمدينة جوتنبرج السويدية، وهو معرض مهتم بفكرة التنوع الثقافي واللغات الأخرى، قرأت به نصوصا من روايتي "علاقات خارج الإطار" باللغة السويدية.
- انحزتِ في كتاب "صور المخيم" إلى المُخيم بملامحه الإنسانية.. هل يزعجك تنميط صورة المخيمات في الأدب والكتابة بشكل عام؟
نعم، الصورة النمطية السائدة هي صورة البطولة وأن سكانه فوق البشر في تحمل الألم، وهذا صحيح جدا، ولكنها ليست الصورة الوحيدة، فالتنميط بشكل عام يُفسد روح الأشياء، فالمناضل إنسان في النهاية، والتنميط يخسرنا كثيرا من إنسانيتنا حتى نضالنا، فالأم التي تفقد أبناءها في الحرب بطلة وتصير رمزا، ولكن لا يمكن اختزالها فقط كرمز للبطولة فقط، وإنما نحكي عنها بمشاعر إنسانة فقدت ابنها، وهذا لا يعني ألا نُظهر بطولات شعب المخيمات والقضية الفلسطينية.
صحيح أننا من الصعب أن نعزل السياسة عن المُخيم، لأن وجودنا به هو ظرف سياسي، إلا أنه في النهاية هو حل سياسي لمشكلة الحروب، وأحب تأكيد أن القضية الفلسطينية هي تجربة يجب أن تُسجل بكل أشكالها لأنها تجربة قاسية، وما قدمته في "صور المُخيم" أنني انحزت للناس العادية والبسيطة وقصصهم، كنت أريد أن أكتب عن البشر وأحلامنا الصغيرة.
- في الكتاب سرد أدبي لشخصيات واقعية مررتِ بها في المخيم.. منها مثلا شخصية "أم عدنان" كالتي قلت عنها "لا ذكرى لصور طفولتي بدونها"؛ حدثينا عنها.
رمزية حكاية "ستي أم عدنان" التي ربّت أمي ولم تلدها، لو منحت لحكايتها رمزية لكانت فلسطين، كل قصص يافا التي سمعتها كانت من هذه السيدة، هي القوة والحنان وأحيانا القسوة، حتى عندما اخترت صورة الغلاف اخترت صورة أم عدنان، بما لها من جمال وطلة شامخة وحضور قوي.
-يتسلل المخيم كذلك في رواياتك "علاقات خارج الإطار"، حدثينا عن المخيم كمكان للسرد ترك أثره لدى إحدى بطلات الرواية؟
نعم، فعلا وذلك عبر شخصية "صُبحية" وهي سيدة لبنانية تزوجت من فلسطيني، عاصرت المُخيم وتحدثت عنه من وجهة نظرها، وهي تتحدث بلسان آخر غير الذي كنت أكتب بواسطته في "صور المخيم" الذي يحمل حواديت وصورا من زاوية رومانسيتي كطفلة، أما في الرواية فكانت البطلة تراه من زاوية كونه مُجتمعا مُغلقا داخل الحرب وبوصفه (جيتو) مُتزمت، المُخيم بشكل عام موضوع يتجدد في كتاباتي دون أن أشعر، أحكي عنه دوما كما أفعل أيضا مع تجربة اللجوء.
- أنتِ مشغولة بحكي السيدات وبوحهن، وهذا يبدو في أعمالك، ما المشترك الذي يجمع بطلاتك حتى لو اختلفت أوطانهن؟
المرأة هي همي الأول في الكتابة دائما، أكتب عن معاناتها والتابوهات المرتبطة بها، وأنا حاليا أكتب رواية جديدة أتناولها فيها بشكل مختلف مما قدمته بها في روايتي السابقتين. فأنا أسعى للابتعاد عن تأطيري بالكتابة النسائية فليست هناك كتابة نسائية وكتابة رجالية برأيي، انحزت للمرأة في كتاباتي السابقة لأن الظلم الواقع عليها كبير، وأعتقد أن قضية المرأة هي قضية المجتمع وأن النظام الذكوري يضطهد الرجل كما يضطهد المرأة، وإن كان بنسب متفاوتة أو بأشكال مختلفة.
- هل من الصعب على الكاتب الذي عايش الحرب والاغتراب أن يتخلص من آثارهما الثقيلة في كتاباته؟
صعب جدا أن تتخلص من آثار الحرب، خاصة عندما تترك آثارها بذاكرة جسدك، فكيف تتخلص من صوت القذيفة مثلا؟ نحن عندما نكتب نجمع القصص ونحاول التخلص من الآثار الثقيلة التي تتركها فينا هذه التجارب عبر الكتابة، فالكتابة جزء منها عملية علاج، أحيانا يكون الإبداع والكتابة والفن بشكل عام حلا لحالات قد يعجز معها الطب، وبالنسبة لي اللجوء عملية صعبة جدا.
وأنا وُلدت لاجئة في مخيم وكان هذا نمط حياتي الذي تفاعلت معه سريعا، لكن تجربتي الثانية في اللجوء للغرب كانت تجربة صعبة، فالغرب قاسٍ جدا بقدر ما هو رحيم، كانت تجربة ثقيلة جدا تخففت منها بكتابة روايتي "أوراق الحب والمنفى" عام 2016 التي كانت تحمل جزءا كاملا عن تجربة اللجوء للسويد كتجربة ذاتية، لذا فهذا العمل يحمل مفاصل من حياتي.
ومررت في الكتابة بتأثير الهجرة إلى الغرب على الجيل الأول وأزماته مع الجيل الجديد، وأزمتهم مع الهويتين، وهذا ما طرحته من خلال روايتي الأخرى "علاقات خارج الإطار" التي نظرت لمسألة الصراع الحضاري والهوية المُختلطة.
- من متابعتك للأدب العربي والسويدي.. ما المشترك والمختلف بينهما برأيك من حيث القضايا التي تشغل السرد في كل منهما؟
الفن لغة إنسانية، يتعامل بها البشر على اختلافهم، نعم هناك خصوصيات لكل منطقة في العالم، وأيضا عاداتها وتقاليدها، ولكن الأدب في النهاية يعكس هموم الشعوب التي هي واحدة تقريبا في الأساس، لكن باختلاف الصورة والبيئة، وهو ما يجعلني أتفاعل مع رواية سويدية وأخرى من جنوب أفريقيا مثلا، فالأدب حالة مُتجلية، ربما يظهر في الأدب السويدي نمط المجتمع الفردي وغير الاجتماعي، ولكن يمكننا الشعور بمشاحناته الإنسانية، فمشاعر الحب حتى الجرائم والتكوينات البشرية والهموم مشتركة.
aXA6IDMuMTQzLjIwMy4xMjkg جزيرة ام اند امز