كيف يتسبب التغير المناخي في تنشيط الأمراض الفطرية؟
لعب التغير المناخي دورًا كبيرًا في انتشار الأمراض والأوبئة، التي لم نسمع بها، وتفاقمت بعض الأمراض مثل: أمراض القلب والجهاز التنفسي.
وبما أنّ العالم يمر بظاهرة الاحترار العالمي؛ أي ارتفاعات مستمرة في متوسط حرارة الأرض؛ وهي بيئة مثالية جدًا لنمو البكتيريا والفيروسيات، وأيضًا الفطريات؛ فهذا يعني أنّ البشر عرضة لأمراض خطيرة، لكن أغلب الأضواء تذهب إلى البكتيريا والفيروسات، على الرغم من أنّ الفطريات تُسبب أمراضًا خطيرة، قد يصعب السيطرة عليها.
منذ زمن بعيد
وتُشير الأدلة التاريخية إلى أنّ البشر قد عرفوا الأمراض الفطرية منذ آلاف السنين، ويظهر هذا جليًا في التراث اليوناني مثلًا؛ ففي عام 500 قبل الميلاد، كتب الطبيب اليوناني الشهري "أبقراط" عن "تقرح الفم"، وهو مرض فطري، وبعد مرور نحو ألفي عام، ظهرت عدوى السعفة في لوحات الرسامين. مرورًا إلى ثلاثينيات القرن التاسع عشر، طرح عالم الحشرات الإيطالي "أغوستينو باسي"، فكرة أنّ مرض المسكاردين، الذي يدمر ديدان القز، كان في الأساس بسبب فطر؛ أي أنه مرض فطري. بعدها بفترة قصيرة، في أربعينيات القرن التاسع عشر، كتب الطبيب المجري "ديفيد جروبي" عن الأمراض الفطرية بصورة منهجية. من بعدها تسارع العلماء على دراستها وفهمها جيدًا.
مع ذلك؛ فعادةً ما يهتم الناس بالأمراض البكتيريا والفيروسية، خاصة وأنها مرتبطة بجائحات عالمية، وفي حين أنّ أغلب البشر ينظرون إليها على أنها مسببات الأوبئة الوحيدة، إلا أنّ تأثيرات الأمراض الفطرية تعادل أو تكاد تكون أقوى من العدوى البكتيرية أو الفيروسية. وهذا ليس غريبًا على كائنات تعيش على الأرض منذ أكثر من مليار سنة، وتنتشر في كل مكان تقريبًا، وشهدت على تغيرات الأرض قبل التاريخ، لكن على الرغم من ذلك وكونها مملكة كبيرة جدًا، تضم ملايين الأنواع، إلا أنّ الأنواع التي قد تسبب عدوى قليلة نسبيًا، لكنّ فعاليتها قوية جدًا؛ فقد تتسبب الفطريات في انقراض مضيفها لقوتها وسرعة انتشارها، وذلك بحسب دراسة منشورة في دورية «بلوس» (PLOS) في أبريل/نيسان 2021. ولكنها تنشط مع ارتفاع درجات الحرارة، وهذا ما يمر به كوكبنا الآن من الاحترار العالمي.
أزمة للبشر، فرصة للفطريات
ارتفع متوسط درجات الحرارة بمقدار يتراوح ما بين 1.1 و1.2 درجة مئوية، مقارنة بعصر ما قبل الصناعة، لكن هذه الزيادة، وإن بدت طفيفة، إلا أنها تسببت في مواجهة البشر لكوارث غير مسبوقة في التاريخ البشري، من ضمنها الأمراض، وهنا نحدد الأمراض الفطرية؛ إذ يلعب التغير المناخي دورًا في انتشار وتنشيط الفطريات الطفيلية والممرضة، وذلك بعدة طرائق، من ضمنها:
توسيع نطاق الانتشار
تتيح التغيرات المناخية وتبعاتها فرصة انتشار الفطريات الممرضة على نطاق أوسع، وقد تصل إلى بيئات ومناطق لم تكن مألوفة لها من قبل. على سبيل المثال، فطريات (Coccidioides immitis) أو (Coccidioides posadasii)، التي تُسبب مرض حمى الوادي، عادةً ما تعيش في تربة المناطق الحارة والجافة، لذلك؛ فهي تنتشر في جنوب غرب الولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك في بعض المناطق من المكسيك وأمريكا الجنوبية، لكن كان من الغريب وجودها في ولاية واشنطن، ويُعزى السبب في ذلك التغيرات المناخية، التي جعلتها تظهر في نطاق جغرافي لم تظهر فيه من قبل.
النزوح المناخي
يُضطر العديد من الناس إلى هجرة بلادهم مع تفاقم الظواهر الطقسية المتطرفة التي تهدد حياتهم، مثل الفيضانات والجفاف والعواصف الشديدة والأمطار الغزيرة. ومع تحرك السكان من بيئتهم إلى بيئة أخرى، قد يحملون الأمراض الفطرية من أوطانهم إلى أوطان جديدة، وتنتشر على نطاق أوسع، تمامًا مثلما يحدث عند اندلاع جائحة عالمية، مثلما حصل في جائحة كورونا.
الأحداث البيئية المتطرفة
تتسبب الظواهر الطقسية المتطرفة، مثل: العواصف الجفاف وحرائق الغابات في نمو وانتشار الجراثيم الفطرية، كما أنّ هذه الظواهر، قد تتسبب في نقل الجراثيم الفطرية عبر الهواء من مكان إلى آخر.
قد تتكيف مع الحرارة!
يعيش على سطح الأرض ملايين الأنواع من الفطريات، منها أعداد قليلة جدًا يمكنها العيش بداخل جسم الإنسان، نظرًا لارتفاع درجة حرارة من الداخل، لكن مع تزايد متوسط الحرارة العالمية؛ فقد تتطور هذه الفطريات، وتستطيع العيش في بيئة أكثر دفئًا.
انتشار بالمقاومة
مع ارتفاع درجات الحرارة، واتساع نطاق انتشار الأمراض الفطرية؛ وفي المقابل، يزداد استخدام المبيدات والمضادات الحيوية، ومن المعروف أنّ الفطريات تكوّن مقاومة ضد تلك المبيدات، ما يزيد الحاجة إلى تطوير العلاجات، وتخليق علاجات أخرى أكثر مقاومة، خلال وقت قصير مع ارتفاع درجات الحرارة المستمر وتغير المناخ في البيئة المحيطة.
ومع تفاقم الاحترار العالمي، تزداد شراسة الأمراض الفطرية، وتنتشر على نطاق أوسع. المشكلة الكبرى أنّ غالبية العلاجات المستخدمة في علاج الفطريات هي مضادات حيوية، وهي بمثابة الحلول المؤقتة.
aXA6IDE4LjExOC4xNDQuOTgg جزيرة ام اند امز