«إيغاد».. رحلة التحول من مكافحة الجفاف لحل نزاعات شرق أفريقيا (بروفايل)
من الجفاف والتصحر إلى النزاعات، تجد الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية في شرق أفريقيا، نفسها أمام جملة من التحديات.
فالمنظمة المعروفة اختصارا باسم "إيغاد" التي أخذت على عاتقها تخفيف العبء عن الأمم المتحدة في التعامل مع مشكلات دول شرق القارة السمراء بشكل عام والقرن الأفريقي بصفة خاصة، وإحداث تحول ملموس في قضايا التكامل الاقتصادي الإقليمي، تواجه حالة من عدم الاستقرار نتيجة صراعات وخلافات في عدد من دولها.
أحدث أزماتها، هي تلك الحاصلة في السودان حيث الاقتتال الدائر بين الجيش وقوات الدعم السريع، منذ منتصف أبريل/نيسان الماضي، وقرار الخرطوم الأخير بتجميد التعامل مع المنظمة الأفريقية فيما يتعلق بالصراع الدائر.
إذ أعلنت وزارة الخارجية السودانية، أمس الثلاثاء، "تجميد التعامل" مع "إيغاد"، على خلفية ما اعتبرته "انتهاك سيادة" السودان بعد أن دعت قائد قوات الدعم السريع حمدان دقلو لحضور قمة في أوغندا فيما تدور حرب بين قواته والجيش.
وتوازيا مع جهود دولية وإقليمية، حاولت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية في دول شرق أفريقيا التوسط مرات عدة بين الجنرالين المتحاربين البرهان وحميدتي، لكن من دون جدوى.
وسبق قرار التجميد، رفض مجلس السيادة السوداني برئاسة قائد الجيش عبدالفتاح البرهان، دعوة حضور قمة استثنائية للإيغاد، بهدف التوسط في النزاع الدائر في البلاد، في حين أعلن قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو "حميدتي"، قبوله الدعوة.
فما هي "إيغاد"؟
تُعرّف المنظمة نفسها على موقعها الإلكتروني بأنها تأسست عام 1996، لتحل محل الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالجفاف والتنمية التي أُنشئت عام 1986، للتعامل مع القضايا المتعلقة بالجفاف والتصحر في القرن الأفريقي.
و"إيغاد" هي واحدة من اللبنات الثماني للجماعة الاقتصادية الأفريقية التابعة للاتحاد الأفريقي.
وتتمثل مهمة "إيغاد" في تعزيز التعاون والتكامل الإقليميين في الجهود الرامية إلى تحقيق السلام والأمن والرخاء في الدول الأعضاء.
أهداف "إيغاد"
تتمثل أهداف "إيغاد" في:
- تعزيز استراتيجيات التنمية المشتركة والمواءمة التدريجية لسياسات وبرامج الاقتصاد الكلي في المجالات الاجتماعية والتكنولوجية والعلمية.
- تنسيق السياسات المتعلقة بالتجارة والجمارك والنقل والاتصالات والزراعة والموارد الطبيعية، وتعزيز حرية حركة السلع والخدمات والأشخاص داخل المنطقة.
- تحقيق الأمن الغذائي الإقليمي، وتشجيع ومساعدة جهود الدول الأعضاء في مكافحة الجفاف وغيره من الكوارث الطبيعية، وإطلاق وتعزيز برامج ومشاريع التنمية المستدامة للموارد الطبيعية وحماية البيئة.
- تطوير وتحسين بنية تحتية منسقة ومتكاملة في مجالات النقل والاتصالات والطاقة في المنطقة.
- تعزيز السلام والاستقرار في المنطقة وإنشاء آليات لمنع وإدارة وحل الصراعات بين الدول الأعضاء وداخلها من خلال الحوار.
- تعزيز وتحقيق أهداف السوق المشتركة لشرق أفريقيا والجنوب الأفريقي (الكوميسا) والجماعة الاقتصادية الأفريقية.
- تسهيل وتعزيز وتقوية التعاون في مجال تطوير البحوث وتطبيقها في مجال العلوم والتكنولوجيا.
هيكل "إيغاد"
يتكون الهيكل التشغيلي للهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية من أربعة أجهزة سياسية هرمية، هي:
- جمعية رؤساء الدول والحكومات.
- مجلس الوزراء.
- لجنة السفراء.
- سكرتارية.
الدول الأعضاء
الدول الأعضاء في الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية، عددها 8، وهي: جيبوتي، وإثيوبيا، وإريتريا، وكينيا، والصومال، والسودان، وجنوب السودان، وأوغندا.
المساحة والسكان
تمتد مساحة الدول الأعضاء الثماني في منظمة "إيغاد" على 5 ملايين و200 ألف كلم مربع.
بينما يبلغ عدد سكانها أكثر من 230 مليون نسمة، وسط توقعات بارتفاع هذا العدد، ليصل إلى 400 مليون نسمة بحلول عام 2050، بحسب ما أوردته المنظمة في موقعها الإلكتروني.
الأهمية الاستراتيجية للمنظمة
الموقع الجغرافي
التحول الذي اكتسبته "إيغاد" من منظمة تعني بالجفاف والتصحر إلى تكتل اقتصادي شبه إقليمي من ضمن أهدافه التسوية السلمية للصراعات التي تشهدها دول شرق القارة، والحفاظ على السلم والأمن في منطقة القرن الأفريقي، منحها أهمية استراتيجية تتمثل في أكثر من محور.
فعلى صعيد الأهمية الجغرافية، تقع دول المنظمة التي تتخذ من جيبوتي مقرا لها، في موقع جيوسياسي وجيواقتصادي يسمح لها بالتقارب والتقاطع مع مناطق استراتيجية مُحاذية مثل الشرق الأوسط وشرق المتوسط.
وهو ما يظهر في حدود دولها التي تمتلك 6960 كيلومترا مع المحيط الهندي وخليج عدن والبحر الأحمر، وهي ممرات مائية مهمة بالنسبة لمرور التجارة الدولية لا سيما النفط، ونقطة وصل مهمة بين أفريقيا والشرق الأوسط وأوروبا وجنوب شرق آسيا والشرق الأقصى. وفق ما طالعته "العين الإخبارية" في الموقع الإلكتروني لـ"إيغاد".
ووفق المصدر نفسه، ترتبط دول المنظمة بحدود طولها 6910 كلم مع كلّ من مصر وليبيا وتشاد وأفريقيا الوسطى والكونغو الديمقراطية ورواندا وتنزانيا، وهو ما يجعلها بوابة مهمة إلى وسط القارة وجنوبها ومنطقة الساحل والصحراء.
حفظ السلام
أهمية أخرى تكتسبها "إيغاد" من حيث إسهام بعض دولها في البعثات الأممية لحفظ السلام في أنحاء أفريقيا، مثل:
- قوات "أميصوم" التي تضم قوات من أوغندا وإثيوبيا وجيبوتي وكينيا.
- بعثة حفظ السلام الأممية في دارفور السودانية.
- بعثة حفظ السلام في منطقة أبيي المتنازع عليها بين السودان وجنوب السودان.
- بعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان.
موارد طبيعية
إلى جانب موقعها الاستراتيجي ودورها في عمليات حفظ السلام، تمتلك دول "إيغاد" موارد وثروات طبيعية غنية مثل احتياطيات النفط والغاز، وموارد الطاقة البديلة مثل الطاقة الكهرومائية، والطاقة الشمسية، والسياحة.
كما تمتد ثرواتها إلى الموارد المائية والبحرية والثروة الحيوانية، إلى جانب كونها منطقة زراعية بالأساس، إذ لا تزال الزراعة والثروة الحيوانية تمثلان العمود الفقري لاقتصادات دولها.
ولا تزال صادرات السلع الزراعية (الأولية)، التي توظف أغلبية ساحقة من السكان، وتساهم بما يقرب من نصف إجمالي الناتج المحلي الإجمالي، تشكل أكثر من 60% من عائدات التصدير.
لكن في المقابل، يتم تصنيف نحو 80% من منطقة الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية على أنها أراضٍ قاحلة وشبه قاحلة، التي تتلقى أقل من 600 ملم من الأمطار سنويا، وفق موقع hornaffairs.
إمكانيات واعدة وموارد غنية، تسعى المنظمة الأفريقية من خلالها إلى تحقيق نقلة نوعية في القرن الأفريقي عبر تعزيز حالة من الاستقرار والأمن، وإرساء دعائم عملية التنمية.
أزمات وأدوار
تعددت الأزمات التي ضربت بعض دول المنظمة خلال السنوات الماضية، وفي مقدمتها النزاعات الحدودية، التي تعقدت بسبب إرث الاستعمار.
وفي بعض الحالات، تصاعدت هذه النزاعات الحدودية إلى مواجهات حدودية. ومن الأمثلة التي تذكرها المنظمة على ذلك:
- الحرب بين إثيوبيا والصومال عام 1977.
- الصراع الإثيوبي الإريتري عام 1998.
- الصراعات بين جيبوتي وإريتريا عامي 1995 و2008.
- الحروب المرتبطة بالحدود بين السودان وجنوب السودان في عام 2012.
ونتيجة لذلك، ابتليت منطقة الإيغاد بصراعات عنيفة طال أمدها، ولا تزال محاصرة بالحروب الداخلية والدولية، خاصة تلك المتعلقة بالحدود.
وإلى جانب أزمة الحدود، واجهت "إيغاد"، العام الماضي، اقتتالا داخليا في السودان، بين الجيش وقوات الدعم السريع.
وفي إطار جهود الوساطة المبذولة لوقف القتال المستمر منذ أبريل/نيسان، طرحت الهيئة الحكومية للتنمية بشرق أفريقيا مبادرة "لتسهيل الحوار بين كافة الأطراف لإيجاد حل جذري للأزمة في هذا البلد.
لكن بالأمس، أعلنت الحكومة السودانية تجميد التعامل مع "إيغاد" بشأن ملف الأزمة الراهنة.
وأرجعت وزارة الخارجية السودانية قرارها إلى ما وصفته بتجاوزات ارتكبتها إيغاد "بإقحام الوضع في السودان ضمن جدول أعمال قمتها الاستثنائية الـ42 المقرر انعقادها غدا الخميس في العاصمة الأوغندية كمبالا، دون التشاور مع الخرطوم".
aXA6IDMuMjEuMTIuODgg جزيرة ام اند امز