الغيمةُ السوداءُ، التي تُحلّق فوق نزاهة عددٍ من دول العالم في أنظمتها الإدارية والمالية، تأبى أن تنقشع.
لتكون حلمًا بعيدَ التحقيق في نظر المنظمات الدولية المعنية بمكافحة الفساد، وعلى رأسها منظمة الشفافية الدولية، التي اعترفت بفشلها في إدارة هذه الأزمة المتزامنة مع جائحة كوفيد-19.
دعونا نرجع قليلاً إلى بيانات المنظمة، الصادرة في أول السنة الجارية، ففي مؤشر المنظمة، الذي يصنف 180 دولة وإقليمًا وفق المستويات المدرَكة لفساد القطاع العام، ويقيس من صفر إلى 100، حيث الصفر الأكثر فسادًا و100 الأكثر نزاهة، جاءت الدنمارك و نيوزلندا في أول القائمة عالميا والإمارات الأولى "أوسطيًّا" في مكافحة الفساد، بينما تسجل أكثر من ثلثي البلدان أقل من 50 درجة على مؤشر مدركات الفساد لهذا العام بمتوسط 43 درجة فقط.
وتُظهر البيانات أنه رغم إحراز بعض التقدم، لا تزال معظم البلدان تفشل في معالجة الفساد بشكل فعّال.
فلم يتغير الوضع في غضون أشهر قليلة، بل ازداد سوءًا نتيجة التطورات الراهنة على الساحة الدولية، والتي تضاعفت سخونتها باندلاع نار المظاهرات في عدد من الدول، ترسم شعاراتها حول الفساد لتكون الحرب القادمة ضدها أكثر ضراوة وفاتورتها باهظة على الحكومات، التي لا تتخذ مسارًا جادًا في النظر إلى مطالبات مكافحة الفساد وإسقاط رؤوسه.
الرشوة والفساد لا تختار فئة أو جماعةً بعينها، فبين أصغر موظف وأبسط فرد في المجتمع وأعلى طبقة تجد هذه الآفة التي تتعايش على أموال وحقوق غير مشروعة.
وتداول الفاسد مع صاحب الحاجة الـمُلحّة الرشاوى من تحت طاولة القانون في بلدان عدة لإنهاء معاملة عادية، وهذا يكاد يكون جزءا من العملية الروتينية لموظفين في القطاعات الحكومية والشرطية والبنوك وغيرها.
وإلى جانب الوازع الديني والقيمي لدى الأفراد وإدخال عنصر الأخلاق، التي تنطلق منها عمليات الحياة كافة، يرتفع حجم الفساد مع زيادة التوتر والأزمات والنزاعات داخل المجتمعات، والتي تصدَّرتها جائحة كوفيد- 19، حيث أوضحت التقارير حجم استشراء الفساد في سائر مراحل الاستجابة للجائحة من دفع الرِّشى مقابل إجراء اختبارات الفيروس وعلاجه، إلى مشتريات الإمدادات الطبية ومجمل الجاهزية لحالات الطوارئ وغيرها من الخدمات الصحية، فتُظهر هذه المعضلة الحاجة إلى تقوية مناعة الجهاز الرقابي للمؤسسات المعنية ومعايير الحوكمة والشفافية وتفعيل آليات المساءلة العامة عبر البرلمانات والمجتمع المدني ووسائل الإعلام بإعطائها هامشَ حرية أعلى لطرح قضايا كهذه.
الفساد مثل السرطان إذا ما استشرى في بدن المجتمع تنتشر معه جرائم عديدة كالابتزاز والتمييز وإعطاء الفاشلين وظائفَ لا يستحقونها من باب المحسوبية والوساطة، لتصل إلى حالة من الفوضى العارمة إن لم يتم استئصالها من جذورها ونشرها على رؤوس الأشهاد لتكون عبرة لمن يعتبر.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة