تُعدّ أفغانستان نقطة ارتكاز جيو–اقتصادية مركزية، وعقدة وصل حيوية بين جنوب آسيا وآسيا الوسطى والخليج، وممرًا ضروريًا لمشاريع الطاقة والنقل الكبرى، وشرطا أساسيا لتفعيل شبكات النقل والطاقة واستقرارها في المنطقة.
كما ينظر إليها الغرب كمحور استراتيجي لإعادة تشكيل مسارات التجارة والطاقة وتقليص نفوذ الصين وروسيا وإيران.
وتمثّل الاتفاقية الأمريكية–الهندية للتعاون الدفاعي والتكنولوجي خطوة استراتيجية تهدف إلى تعزيز قدرة الهند على الردع المستقل وتقليل اعتمادها على السلاح الروسي، مع تأمين شريك إقليمي موثوق لواشنطن في مواجهة التوسع الصيني، وترسيخ نظام أمني أكثر استقرارًا وتوازنًا وكاستراتيجية إعادة هندسة النفوذ الإقليمي وضبط موازين القوى في جنوب آسيا والمحيط الهندي.
الدلالات السياسية والإطار الاستراتيجي
تعكس الاتفاقية تقدير الولايات المتحدة لأهمية الهند الجيوسياسية، وتشكل محورًا لسياسة واشنطن في آسيا والمحيط الهندي عبر ثلاثة محاور:
تعميق الشراكة الاستراتيجية: تحويل العلاقة الثنائية إلى شراكة أمنية متقدمة ضمن أطر متعددة مثل QUAD.
الاتفاقية الأمريكية–الهندية: أبعاد النفوذ والأمن والتكنولوجيا.
توجيه مسارات النفوذ: تمكين الهند من ممارسة تأثير متوازن في مواجهة التوسع الصيني، وتعزيز استقلالها الاستراتيجي.
أداة تأثير دبلوماسي: تمكين واشنطن من تنسيق بعض أبعاد السياسة الخارجية الهندية دون المساس باستقلالية قرار نيودلهي.
الأبعاد الأمنية والقدرات الردعية ونقل التكنولوجيا المتقدمة
تمثل الاتفاقية نقلة نوعية في نقل التكنولوجيا الدفاعية وتعزيز القدرات الردعية للهند عبر أنظمة دفاع صاروخي وطائرات مقاتلة حديثة، بما يقوي البنية الأمنية المشتركة ويزيد كفاءة الردع تجاه التهديدات الإقليمية.
تعزيز التعاون الاستخباراتي والمناورات المشتركة
تشكيل شبكة دفاعية متكاملة وقابلة للتشغيل المشترك بين القوات الأمريكية والهندية وترسيخ موقع الهند كقوة ضامنة للاستقرار في المحيط الهندي، وتعزيز قدرتها على حماية مصالحها ومصالح شركائها.
التحولات الجيوسياسية والتقارب الهندي–الأفغاني مع النفوذ الخليجي
يتزامن التقارب الهندي–الأفغاني مع توقيع الاتفاقية، في إطار استراتيجية واشنطن لإعادة هندسة التوازن الإقليمي دون انخراط عسكري مباشر.
تسعى الهند عبر هذا التقارب إلى استعادة حضورها التاريخي وحماية استثماراتها طويلة الأمد في أفغانستان، بينما تستخدم الولايات المتحدة هذا الانخراط لتعزيز نفوذها غير المباشر واحتواء الفراغ الاستراتيجي الذي أعقب انسحابها العسكري.
يأتي ذلك ضمن مشهد تنافسي بين محور أمريكي–هندي ومحور صيني–روسي– وربما باكستاني، حيث تمثل الهند الامتداد الوظيفي للمشروع الأمريكي في جنوب ووسط آسيا. هذا الترتيب يثير قلقًا واضحًا لدى بكين وإسلام آباد، خاصة مع ارتباط (CPEC) الوثيق بالممر الاقتصادي الصيني–الباكستاني.
ومن ثمّ، يُنظر إلى أي تعاون دفاعي أو استخباراتي أمريكي–هندي ذي بعد أفغاني بوصفه محاولة تطويق استراتيجي مزدوج لباكستان، ما قد يدفعها لتعزيز تحالفها في المحور المقابل.
ويتكامل هذا المشهد مع الدور المتنامي لدول الخليج العربي، الإمارات وقطر والسعودية، التي تتبنّى سياسة خارجية متعددة الأقطاب لتأمين مصالحها. فهي تسعى إلى الاستثمار في آسيا الوسطى وأفغانستان كجزء من رؤيتها لربط الاقتصاد الآسيوي وتنويع سلاسل الإمداد، مع الحفاظ على شراكتها الأمنية مع الولايات المتحدة وتوسيع علاقاتها الاقتصادية مع الصين والهند وروسيا، بما يعزز موقعها كفاعل موازن في النظام الدولي المتحوّل.
التوصيات الاستراتيجية لإدارة المخاطر
لتفادي تحوّل هذا التقارب إلى عامل تفجير إقليمي، تقتضي إدارة المخاطر اعتماد مقاربة متوازنة تقوم على التنافس المنضبط والانخراط البنّاء عبر:
ضبط التنافس في الساحة الأفغانية: من خلال فتح قنوات تنسيق غير رسمية بين واشنطن وبكين بوساطة قوى إقليمية لضمان عدم انزلاق التنافس إلى صراع بالوكالة.
الفصل بين المسارين التنموي والأمني: لتجنّب تسييس المشاريع الهندية وضمان حيادها في السياق الباكستاني.
توسيع مظلة التعاون الإقليمي: عبر إشراك دول الخليج وتركيا وإيران في ترتيبات اقتصادية وأمنية تقلّل من الطابع الأحادي للمشهد.
الرصد الاستباقي للتهديدات: لمتابعة تطورات سباق التسلح وتحركات القوى الكبرى بما يحفظ هامش المناورة.
تعزيز الشراكات الأمنية المتعددة: ولا سيما الحوار الأمني الثلاثي (الخليج–واشنطن–نيودلهي) لضمان أمن الممرات البحرية والطاقة.
الآثار الاقتصادية ونقل المعرفة
توطين التكنولوجيا الدفاعية: دعم مبادرة "صُنع في الهند" لتعزيز القاعدة الصناعية العسكرية وتقليل التبعية لروسيا.
تقوية أمن الإمدادات وتقليل المخاطر الجيوسياسية، ودمج سلاسل الإمداد.
الاستثمار في البحث والابتكار: في مجالات الذكاء الاصطناعي والدفاع السيبراني لتوفير قيمة استراتيجية تتجاوز صفقات التسليح التقليدي.
التداعيات على الأطراف الدولية والإقليمية
دول الخليج العربي: الامارات وقطر والسعودية خصوصا أمامها فرصة لتوسيع شراكاتها الاستراتيجية مع واشنطن ونيودلهي ضمن آليات أمنية واقتصادية وتكنولوجية تضمن أمن الممرات الملاحية والطاقة.
روسيا: تواجه منافسة مباشرة في السوق الهندي، ما يقلّل اعتماد نيودلهي على تسليحها التقليدي الأمر الذي ربما يؤدي لتحفّيز موسكو على تحديث عروضها الدفاعية.
دول آسيا الوسطى: تستفيد أفغانستان من الاستقرار بوصفها بوابة حيوية للتجارة والطاقة نحو الجنوب الآسيوي وآسيا الوسطى.
السيناريوهات المستقبلية للبيئة الإقليمية
توازن استراتيجي محسوب: من خلال شراكة دفاعية منضبطة تمنع التصعيد وتدعم الاستقرار النسبي.
سباق تسلح متدرّج: مع احتمال تصاعد الإنفاق العسكري في الهند وباكستان ضمن حدود المواجهة غير المباشرة.
حروب اقتصادية وتكنولوجية مقنّعة: تدار عبر النفوذ التجاري والتقني والسيبراني بدل المواجهات العسكرية المباشر.
الخاتمة
يلعب التحالف الأمريكي–الهندي، مع التقارب الهندي–الأفغاني، والشراكة الخليجية دورًا محوريًا في إعادة ضبط التوازنات الإقليمية في جنوب آسيا والمحيط الهندي.
وتبرز أفغانستان كحلقة وصل استراتيجية للتجارة والطاقة، يستلزم استقرارها مقاربة دولية تراعي مصالح الجميع.
إن التوازن الذكي والشراكات متعددة المسارات بين الأمن والتنمية، بدل الصدام المباشر، يشكل مفتاح الاستقرار في العقد الآسيوي القادم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة