"عجة ميو".. نسائم الماضي التونسي تفوح في مايو
عجة "مَيُّو"، طبق تونسي يشتهر في محافظة نابل المعروفة بتنوع البهارات والمشهورة بزراعة الفلفل.
ويطبخ أكثر في مدينة بني خيار التابعة لنفس المحافظة والتي تبعد 4 كلم عن مدينة نابل والتي تتميز بطابعها الزراعي حيث تضم عددا كبيرا من الحقول والضيعات وتطل على البحر المتوسط.
ومن أبرز العادات التراثية التي صمدت عبر التاريخ هي طبخ عجة ميو الشهيرة في شهر مايو/آيار من كل سنة والتي أساسها الفلفل المجفف مخلوطا بمجموعة كبيرة من نباتات الموسم العطرة، وإضافة البيض وزيت الزيتون لتكوين طبق متميز تفوح منه رائحة فريدة تحاكي نسائم الماضي.
ويكون شكل هذه العجة دائريا مثل الفطائر ويتم إرفاقها بطبق من السمك الطازج المقلي أو المشوي، ويتم إعدادها في شهر مايو وينطلق طبخها من يوم 14 مايو إلى 13 يونيو.
هذه العادة التي أرجعها باحثون إلى كونها تعود للعهد الأمازيغي فيما دحضها محمد الأحمر الباحث وممثل جمعية "صيانة مدينة بني خيار" الذي قال في تصريح لـ"العين الإخبارية"، إنه لا يمكن تحديد الحقبة الزمنية التي يعود لها هذا الطبق حيث أن هناك باحثون يرجعونها للعهد النوميدي، وتابع" لكن ما يجب تأكيده هو أن هذا الطبق وبهاراته كلها محلية الصنع وكلها نابعة من أرض محافظة نابل".
وأكد أن التونسيين القدامى كانوا يسمون الأسبوع الأول من شهر مايو بالتقويم الأعجمي الفلاحي (تقويم بني على المواسم الفلاحية) بـ" الأخضر"، والأسبوع الثاني بـ"الأصفر"، لأن شهر مايو تتغير فيه الفصول وهو مرحلة انتقالية من فصل الربيع إلى فصل الصيف.
وأضاف: "قديما كان يعرف خلال هذه الفترة بانتهاء الخضر الشتوية من جزر وكرنب (الملفوف) ولفت وسلق ولم تكن هناك الباكورات (البيوت المحمية الزراعية) وكان التونسيون يعتمدون على خزن المؤونة المخبأة منذ السنة الماضية لذلك اخترعوا هذه الأكلة كي تكون الوجبة المفضلة واللذيذة والتي يتسلح بها المزارعون خلال عملهم باعتبارها طبقا صحيا ويحتوي على فيتامينات عديدة".
وتوارث أهالي منطقة بني خيار، وفق محمد الأحمر، هذه الأكلة عن أجدادهم التي صنعوها بكل براعة وحنكة وحسن تدبير، كي يجعلوا من هذه الفترة الزمنية عادة غذائية تعود لمئات السنين.
وبالعودة إلى رمزية هذه الأكلة، قال محمد الأحمر: "الأسطورة الشعبية تقول إن بداية طبخ هذا الطبق في 14 مايو يصادف مع اليوم الذي غرق فيه فرعون وجنوده في البحر وهو يلاحق سيدنا موسى عليه السلام، لذلك تكون العجة في شكل دائري يرمز لحلقات الماء أثناء غرق الفرعون، موضحا أن المسافات في الأساطير وفي المخيال الشعبي ليست لها أي قيمة".
وأكمل: "من طقوس طبخ العجة أن البيض يتم ثقبه من الجهتين ويتم إفراغه في الهريسة (فلفل مجفف ومهرس) دون كسره ويتم صنع قلائد به تعلق في شبابيك المنازل أو في أشجار الحدائق أو الحقول تبركا بالخصوبة وطردا للعين والحسد".
aXA6IDMuMTQyLjEzNi4yMTAg جزيرة ام اند امز