الملتقى الدولي للثقافة الشعبية.. حائط صد في مواجهة العولمة
"الملتقى الدولي للثقافة الشعبية العربية.. رؤى وتحولات" الذي ينظمه المجلس الأعلى للثقافة بالتعاون مع المركز الحضاري لعلوم الإنسان والتراث الشعبى
تمثل "الثقافة الشعبية" ملمحاً بارزاً لعبقرية الإبداع الجمعي، واعترافاً بهذه الثقافة التي تحمل خلاصة تراكم الخبرات والتجارب الإنسانية التي صاغها الأجداد والأسلاف فناً وأدباً، حكمة ومثلاً، موالاً وزجلاً.. على شرف الثقافة الشعبية، وفي رحاب عوالمها وفضاءاتها الإبداعية والفنية والأدبية، اجتمع أكثر من 100 باحث ودارس، من مصر والدول العربية، في الملتقى الدولي الأول للثقافة الشعبية العربية، الذي افتتحه صباح اليوم، الثلاثاء، وزير الثقافة المصري حلمي النمنم، يرافقه وزير التعليم العالي د.أشرف الشيحي، ود.أمل الصبان الأمين العام للمجلس الأعلى الثقافة.
"الملتقى الدولي للثقافة الشعبية العربية.. رؤى وتحولات" الذي ينظمه المجلس الأعلى للثقافة بالتعاون مع المركز الحضاري لعلوم الإنسان والتراث الشعبى برئاسة د.محمد غنيم (كلية الآداب جامعة المنصورة)، استهل أولى فعالياته اليوم بمركز الهناجر للفنون بالأوبرا، بحضور د.محمد حسن القناوي رئيس جامعة المنصورة، ويشارك في الملتقي مائة من المفكرين والباحثين والمتخصصين من 10 دولة عربية: مصر، الأردن، الإمارات، البحرين، الجزائر، العراق، السعودية، السودان، المغرب، اليمن، تونس، فلسطين، سوريا، لبنان، ليبيا وسط حضور عدد كبير من المهتمين بالشأن الثقافي.
وفي كلمته بمناسبة افتتاح الملتقى، رحب وزير الثقافة المصري بالمشاركين، خاصة من الأشقاء العرب، مشيراً إلى أن هذا المؤتمر ثمرة لتعاون الوزارة مع جامعة المنصورة، ووجه النمنم تحية خاصة للمشاركين اللبنانيين (إذ تزامن عقد الملتقى مع ملتقى الثقافة المصرية اللبنانية قبل يومين بمؤسسة الأهرام المصرية)، وأشاد النمنم بالدور اللبناني المهم والمؤثر في المشهد الثقافي والأدبي في المنطقة العربية بأسرها.
فيما استهلت د.أمل الصبان، الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة، كلمتها بمقطع من موال شعبي قديم، مشيرة إلى أن الموال الشعبي يحمل الكثير من هموم وأشجان الإنسان المصري والعربي، وهو أحد الأشكال الفنية الشعبية التي عبرت من خلالها شعوبنا العربية عن أحلامها، وأكدت أن "الثقافة الشعبية" هي أفضل سلاح في مواجهة العولمة، وأنها أشبه بمرآة تعكس روح الأمة وعبقريتها من خلال تجارب أفرادها وخبراتهم في الحياة، وأنها هي حامل الضمير الجمعي للشعوب العربية وهويتهم الحضارية.
ولم تفارق كلمة د.محمد غنيم، رئيس جامعة المنصورة، سياق الحدث، إذ شدد في كلمته على أن لدينا تراثاً يضرب بجذوره في التاريخ، وأن عقد مثل هذه الملتقيات العلمية يمثل حائط صد ومقاومة ضد ما تشهده المنطقة العربية من هجوم كاسح ومؤامرات لا تتوقف، مضيفاً أن على أرض مصر قامت أعظم حضارات الدنيا، ولن تتخلى مصر عن دورها الحضاري والريادي مهما كانت التحديات والمعوقات.
مقرر الملتقى أكد أن جامعة المنصورة تولي اهتماماً كبيراً بالثقافة الشعبية بفضل علمائها الكبار من الراحلين، الذين رسخوا الاهتمام بالثقافة الشعبية درساً وبحثاً وتأليفاً، ومنهم د.أحمد أبوزيد، ومحمد رجب النجار، وصفوت كمال الذين كان لهم دور فعال وإسهامات لا تنكر في كل الفعاليات والملتقيات المشابهة التي أقيمت خلال العقود الماضية.
ولأن الحضور اللبناني في الملتقى تمثل في أكثر من مستوى، فقد استعرض د.جورج سعادة، رئيس الجامعة اللبنانية، العلاقات الثقافية "التاريخية" ما بين مصر ولبنان، وأشار إلى أهمية تخليص الثقافة الشعبية من الشوائب؛ لأنها ضمير الشعوب ولأنها تمتد لجذور راسخة في أعماق الأمم، وأن هذا الملتقى ضرورة في تلك اللحظة، وأنه خطوة في تحقيق الرسوخ لواقعنا الثقافي كقنطرة ضوئية من أجل عبور لحظات التدهور.
بدوره، قال عصام الجوهري، الأستاذ بالجامعة اللبنانية، في كلمته، إن هذا المؤتمر مناسبة للتعرف على الثقافات الشعبية الغنية للبلدان العربية لتمتزج بالحضارات العربية والإسلامية وغيرها، مؤكداً ضرورة أن نقف جميعاً صفاً واحداً على كافة المستويات والأصعدة لكي نتجاوز الحواجز المصطنعة والموضوعة على دروب تطور الأمم وعزتها ومكانتها في العالم، وأضاف أن وطننا العربي يمر الآن بواحد من أصعب الظروف على مر تاريخه.
عقب حفل الافتتاح، وإلقاء الكلمات الاستهلالية، انعقدت الجلسة البحثية الأولى بمسرح الهناجر، وهي الجلسة التي رأسها مقرر لجنة الفنون الشعبية بالمجلس الأعلى للثقافة، د.أحمد مرسي، وشارك فيها كل من: د.محمود عودة، د.محمد البيالي، د.سعيدة بوعزيز، جلال خشاب، جورج سعادة.
الورقة التي قدمها محمود عودة اشتملت على تركيز رؤية الثقافة الشعبية في بعض النقاط التي تتعلق بالمفهوم ذاته، وهو مفهوم الثقافة الشعبية في مقابل ماذا؟ هل في مقابل النخبة أم الثقافة الشعبية أو الثقافة الجماهيرية؟ مؤكداً ضرورة أن الثقافة الشعبية هي ثقافة شعب؛ حيث يرى المثقفون أنها ثقافة طبقة بعينها في المجتمع، وهي التي نصفها بأنها "شعبية".
وتناول جلال خشاب في بحثه عن "الثقافة الشعبية.. الراهن والتحولات" تلك العبقرية الحاملة على عاتقها أمانة الإبداع والحفظ والرواية، وبما يحيط هذا الإرث من مخاطر شديدة تهدده بتيار العولمة الجارف، ويشير في بحثه إلى رؤيته حول كيفية ترقية تراثنا الشعبي والعمل على استثماره في مجالات شتى، تبدأ من ثقافة الطفل وتنتهي بالعمران والاقتصاد.
وفي بحثه عن "الفنون الشعبية والتحولات المحلية والدولية.. الزجل اللبناني نموذجاً"، شدد جورج سعادة على ضرورة تضافر الفنون الشعبية مع الحركة الاجتماعية في مستوياتها المختلفة، فالصلة بينهما راسخة العمق، والعنصر الواحد لا تكتب له الحياة بذاته بل باتحاده مع عناصر أخرى، والتحولات في الفنون الشعبية واحدة من النشاطات الإنسانية المباشرة، وعطف على مفهوم الزجل اللبناني بوصفه فناً شعبياً يحمل خصائص تميزه عن غيره، موضحاً أنه ظهر منذ القرن الخامس عشر الميلادي وكان له ومضات منذ القرن الرابع الميلادي، وبلغ أوجهه في ستينيات القرن الماضي، وظل قائماً حتى نشوب الحرب اللبنانية 1975.
د.محمد البيالي من المملكة العربية السعودية، ركز في ورقته على خطورة فكرة العولمة وانتشارها في كل المجتمعات، وأشار إلى ضرورة انفتاح المجتمع السعودي على الثقافات الأخرى من أجل التغيير، مؤكدا وجود مظاهر مصرية سعودية مشتركة في الثقافة الشعبية، مثلا "المزمار" فهو تقليد مصري وسعودي.
واختتم ورقته بضرورة وضع التوصيات اللائقة والمفيدة التي تخدم الثقافة العربية من المحيط إلى الخليج، فأي عنصر ثقافي تسجله دولة من الدول هو في الوقت ذاته إثراء للثقافة العربية وإضافة حيوية إلى التراث الإنساني بأسره.