يبدو مستهجناً أن تحاول إيران بين الفينة والأخرى العبث بأمن مملكة البحرين، ونشر الفوضى والاضطرابات فيها، عبر خلايا إرهابية
لا تتشكك مملكة البحرين الشقيقة في أن إيران دولة جارة، فهذه هي حقائق الجغرافيا التي لا يمكن إنكارها، والتي جاءت القوانين والأعراف والمواثيق الدولية لتنظمها في العصر الحديث وفق مبادئ استقرت عليها العلاقات الدولية، وتوافقت بشأنها الدول الموقعة على ميثاق الأمم المتحدة، وبينها إيران، ومنها مبدأ حسن الجوار وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، الذي بات يعد من أهم مبادئ القانون الدولي.
لذا يبدو مستهجناً أن تحاول إيران بين الفينة والأخرى العبث بأمن مملكة البحرين، ونشر الفوضى والاضطرابات فيها، عبر خلايا إرهابية، كما حدث مؤخراً في اكتشاف السلطات البحرينية خلية تضم نحو 116 إرهابياً تلقوا تدريبهم في معسكرات الحرس الثوري الإيراني؛ للقيام بعمليات تخريبية إرهابية ونشر الفوضى في مملكة البحرين!
يجب على إيران أن تقرأ وتستوعب جيداً مفردات الواقع الاستراتيجي الجديد بعناية وتركيز، كما يجب عليها أن تدرك أن ما كان يمكن أن يحدث بالأمس، تستطيع أن تكرره اليوم، وأن مغامرات الحرس الثوري الطائشة لم يعد لها مكان ولا زمان
العملية الاستباقية التي نفذتها السلطات البحرينية جديرة بالاحترام لما تتسم به من احترافية ومهارة، ولكن اكتشاف مثل هذه المؤامرات لا يعفي إيران من مسؤولية تدبير المؤامرات واحدة تلو الأخرى، لعلها تفلح في تحقيق مخطط نشر الفوضى في هذا البلد الشقيق.
ولا شك أن مثل هذه المخططات توفر الدليل الدامغ على نوايا إيران ليس فقط حيال شعب البحرين، ولكن حيال شعوب مجلس التعاون والمنطقة برمتها، فإيران تسعى إلى نشر الفوضى والخراب وإتاحة الفرصة للمليشيات الطائفية كي تعيث في المنطقة خراباً؛ من أجل تنفيذ مخطط الانتقام الثأري الذي يكتسي رداءً دينياً ويزعم الدفاع عمن تصفهم إيران بالمظلومين والمضطهدين من المواطنين الشيعة في الدول العربية، ولكنه مخطط نابع بالأساس من أحقاد قومية فارسية قديمة تجاه العرب.
تريد إيران تكرار سيناريو الفوضى الذي نفذته عبر وكلائها الحوثيين في اليمن، في دول أخرى، كما تريد استكمال مشروعها التوسعي الذي يمتد حتى شواطئ البحر المتوسط، بعد الاختراق الإيراني لسيادة سوريا والتمركز في أراضيها وبناء قواعد عسكرية دائمة بدعوى مكافحة الإرهاب.
ولن يصدق مراقب موضوعي ادعاءات إيران ومزاعمها بشأن الأمن والاستقرار، وهي التي تباهى قادتها ومسؤولوها علناً بالسيطرة على أربع عواصم عربية، وتسعى لالتهام المزيد!
ظلت إيران تراهن طيلة سنوات سابقة على تخاذل القوى الدولية في مواجهة مشروعها التوسعي، باعتبار أن لغة تقاسم المصالح ستتغلب في النهاية، وتعاملت مع جلسات التفاوض الماراثونية التي جمعت وفودها مع ممثلي القوى الدولية، وفق استراتيجية "النفس الطويل" التي تستمدها من موروث "حائك السجاد" الإيراني، ونجحت بالفعل في "حياكة" الاتفاق النووي وفق أغراضها وأهدافها، ولكنها لم تدرك بعد المعطيات الجديدة في توازنات القوى الإقليمية، ولا تريد أن تعترف بأن هناك واقعاً استراتيجياً عالمياً جديداً، و إرادة خليجية ـ عربية قوية ولدت لتقف في وجه مشروعها التوسعي، ولن تسمح له بمزيد من التمدد والتدخلات غير المشروعة في شؤون الدول العربية.
يجب على إيران أن تقرأ وتستوعب جيداً مفردات الواقع الاستراتيجي الجديد بعناية وتركيز، كما يجب عليها أن تدرك أن ما كان يمكن أن يحدث بالأمس، تستطيع أن تكرره اليوم، وأن مغامرات الحرس الثوري الطائشة لم يعد لها مكان ولا زمان، وألا تصدق الدعايات التي يروّجها أنصارها حول تغير المعادلات وموازين القوى وخلاف ذلك من مهاترات دعائية لا صلة لها بالواقع.
في رده المتغطرس على إعلان السلطات البحرينية القبض على الخلية الإرهابية الموالية لإيران، يقول بهرام قاسمي المتحدث باسم الخارجية الإيرانية "إننا ننصح المسؤولين البحرينيين مرة أخرى أن يمهدوا الأرضية للتعاطي والحوار مع أبناء شعبهم بدلاً عن اللجوء إلى التصعيد في استخدام الأساليب الأمنية!
نصيحة الأولى بها أن توجه إلى حكام إيران، الذين يجب عليهم أن يمهدوا الأرضية بالفعل لشعب ثار عليهم واحتج في جميع مدن البلاد منذ أسابيع قلائل مضت، ولم يسكته سوى عنف مليشيات الباسيج وقبضتها الدموية التي طالما تلطخت بأيدي الأبرياء من شعبهم.
لم تقمع البحرين شعبها حتى تُوجَه إليها هذه النصيحة، ولم تعلن البحرين أنها اعتقلت المائة إرهابي من بين جموع متظاهرين، بل هم عناصر إرهابية خططوا لارتكاب جرائم في المملكة، وكان اعتقالهم عملية أمنية استباقية ناجحة للحفاظ على أمن واستقرار الشعب البحريني، لذا فإن فحوى النصيحة الإيرانية بشأن الاستماع لصوت الشعب يجب أن يوجهها المتحدث الإيراني إلى عنوانها الصحيح، وتحديداً إلى مقر المرشد الأعلى القابض على مفاصل النظام الإيراني المتهالك.
يجب أن يدرك المتحدث الإيراني أيضاً وجيداً أن لغة الإملاءات والاستعلاء والغطرسة لم يعد لها مجال في العلاقات الدولية، وأن على قادة إيران الاستماع لصوت الملايين من شباب إيران الذين يكرهون الجنون الذي يتسبب في إهدار ثروات الشعب الإيراني ومقدراته على تنفيذ خطط ومؤامرات؛ تستهدف دول الجوار وتحقيق غايات انتقامية تشبعت بها نفوس الملالي.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة