حدثان متناقضان تماماً ولكن يشيران إلى الواقع الإيراني المتناقض أصلاً، مغامرات إيرانية عسكرية وتمويل المليشيات
يبدو أن مفارقات نظام الملالي في إيران لا تنتهي، وكلها تشير إلى أن الأمور مع هذا النظام لا يمكن أن تفهمها بطريقة منطقية وطبيعية مهما حاولت ذلك كأي نظام سياسي آخر في العالم.
ففي الوقت الذي نجد فيه كل دول العالم مشغولة في ترتيبات مواجهة أزمة فيروس كورونا، وفي الوقت الذي يعاني النظام الإيراني نفسه من صعوبات مالية في مواجهة الأزمة، ويتهم الولايات المتحدة، التي تبدو أنها أكثر فهماً لطريقة تفكير الملالي بأنها تمارس الإرهاب الاقتصادي عليه، فاجأ هذا النظام الرأي العام العالمي، مؤخراً، بإعلانه إطلاق قمر صناعي عسكري "نور 1"، وهو ما يعني في واقع الأمر، أن هذا النظام لا يزال يمارس الحيل والخداع السياسي على المجتمع الدولي كما يمارسه على الشعب الإيراني.
حدثان متناقضان تماما ولكن يشيران إلى الواقع الإيراني المتناقض أصلاً، مغامرات إيرانية عسكرية وتمويل المليشيات المنتشرة في المنطقة مع الشكوى من عجز الميزانية الحكومية في شراء ما تواجه به الوباء
السياسيون في العالم، اليوم، يتجنبون الحديث بعيداً عن آليات البحث في طرق ومخارج لفيروس كورونا، والعمل على توفير كل ما يطمئن شعوبهم بالدرجة الأولى، والانتباه إلى عدم استفزاز الرأي العام العالمي بما يلهيهم عن الخطر العالمي، على اعتبار أن هناك حاجة فعلية لأن تركز دوائر صنع القرار في العالم من أجل الخروج بأقل الخسائر من هذه الجائحة. وهناك نداء من الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريس، بوقف الحروب للتفرغ لهذه الأزمة، لأن مصلحة العالم باتت واحدة والعالم متوحد من أجلها.
غير أن هذه "المصلحة" الإنسانية، وفي مفارقة واضحة، ليس لها مكان في النظام الإيراني من خلال التركيز على الجوانب العسكرية والاستفزازات التي يقوم بها في مياه الخليج العربي، في مقابل أنه يعاني عجزا في تمويل البرامج الإنسانية.
حدثان متناقضان تماماً ولكن يشيران إلى الواقع الإيراني المتناقض أصلاً، مغامرات إيرانية عسكرية وتمويل المليشيات المنتشرة في المنطقة مع الشكوى من عجز الميزانية الحكومية في شراء ما تواجه به الوباء وتطلب قرضا بقيمة (5) ملايين دولار من صندوق النقد الدولي، وينسحب هذا التناقض على مجموعة أخرى من السلوكيات السياسية التي لا تقف على التعامل مع المجتمع الدولي، بل يصل إلى الوضع إلى الجوار الجغرافي خصوصا العراق خلال هذه الفترة التي يمر بها العراق من أزمات متعددة؛ اقتصادية، وسياسية، وأزمة كورونا، حيث يدعو حلفاءه من المليشيات الموالية له إلى تقديم الدعم لمصطفى الكاظمي بتشكيل الحكومة، ولكنه في الوقت نفسه يماطل بواسطة نفس "الأذرع" لإفشالها، فهذا يقع ضمن التناقض الإيراني في هذا التوقيت من زمن كورونا.
فيروس كورونا "سلاح ذو حدين" لإيران، فهو من جهة: يمثل مصدر قلق وخوف للنظام الإيراني، حيث صنفت من الدول الأعلى نسبة في الإصابات بل هي مصدر انتشار الوباء حالها كحال الصين، ومع الضغوط الاقتصادية الدولية والوضع الاجتماعي المتدهور يدفع النظام إلى ممارسة لعبته المفضلة وهي تصدير الأزمات إلى الخارج، من أجل إشغال الرأي العام الداخلي عنه؛ لأنه ليس لديه ما يقنعهم به من مبررات فشله في إدارة الأزمة.
ومن جهة أخرى: يعتقد النظام واهما أن أزمة كورونا مصدر طمأنينة وفرصة سانحة لتوسيع طموحاته السياسية، مستغلاً انشغال العالم بفيروس كورونا، لكن لا يدري أن هذا الأمر يزيد من أزمة المصداقية التي يعاني منها مع المجتمع الدولي.
بعض الدول تعاطفت مع دعوة السياسيين الإيرانيين للمطالبة بالحصول على قرض مالي من الصندوق الدولي، ووقفت ضد الموقف الأمريكي الذي يشعر بالقلق من استغلال النظام الإيراني المال في مغامراتها المهددة لاستقرار العالم، ويبدو أن الإدارة الأمريكية على حق، إلا أنه في لحظة مفصلية من بدء اقتناع الرأي العام بوجوب الوقوف مع الدولة الإيرانية جاءت "زلة" نظام الملالي سواءً بقصد أو بغير قصد كي ترجعنا إلى الذاكرة التاريخية التي تحفظ عن إيران هواياتها القائمة على الخداع السياسي واستغفال الرأي العام العالمي.
من إيجابيات "أزمة كورونا" أنها حركت الخيال العفوي للإنسان في العالم من أجل التعاضد مع بعض، وتفاعل الجميع من أجل خلق ثقافة تشاركية على مستوى العالم، وبات أي أحد يشذ عن هذه القاعدة يعرض نفسه لانتقادات كثيرة، ويبدو أن النظام الإيراني لا يريد أن يفوت فرصة: إغضاب الرأي العام العالمي، وتكرار نفس الأخطاء التي تخسره دائماً أي تعاطف أو أصدقاء.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة