أدوات الحرس الثوري لتنصيب رئيس ومرشد إيران القادمين
ميليشيا الحرس الثوري تستعين بترسانتها الإعلامية والاقتصادية والأمنية لإيصال مرشحيها لمنصب رئيس البلاد والمرشد في معركة تراها مصيرية
في زيارته التفقدية، الأربعاء، لدورة إعداد الضباط في جامعة الإمام حسين العسكرية، أدلى مرشد إيران، علي خامنئي، بتصريحات دعت بشكل مبطن لانتخاب مرشح يعتنق أفكار المرشد ويكون مواليًا لميليشيا الحرس الثوري التي تنفذ هذه الأفكار على الأرض.
وقال خامنئي خلال الزيارة إن "العدو يستهدف في المدى المتوسط قضية الاقتصاد ومعيشة المواطنين عبر السعي لتدني الإنتاج وإشاعة البطالة".
وكان خامنئي وجه انتقادات حادة للرئيس الحالي حسن روحاني، الذي يقف في المعسكر الموصوف بالإصلاحي، بشأن الاقتصاد.
وسعي خامنئي الحثيث لجلب رئيس على شاكلته تنفذه ميليشيا الحرس الثوري بعدة وسائل؛ حيث تعتبر أن الانتخابات هذه المرة معركة مصيرية لإيصال مرشحها المفضل، إبراهيم رئيسي، إلى سدة الحكم، وإحكام سيطرتها على حكم البلاد اقتصاديًا وسياسيًا.
وتتنوع أسلحة ميليشيا الحرس في هذه المعركة بداية من إعداد الحافلات لنقل الناخبين إلى مراكز التصويت، إلى تسليط وسائل الإعلام التابعة للميليشيا لمهاجمة الرئيس الحالي والمرشح حسن روحاني، وحتى الترويج لإبراهيم رئيسي، والتلويح بأن أمن البلاد مرتبط بانتخابه.
وكان دعم هذه الميليشيا لإبراهيم رئيسي يبدو سريًا في بداية المعركة الانتخابية، ولكن مع اقتراب يوم الانتخابات، 19 مايو/أيار الجاري، بات الدعم لا يخفى على متابع.
وروحاني الذي يوصف بأنه إصلاحي وأكثر انفتاحًا من المحافظين الذين ينتمي إليهم الحرس الثوي حقق نصرًا مفاجئًا في انتخابات 2013، ولكن هذا النصر لم يمر بهدوء؛ حيث تعددت المعارك بينه وبين ميليشيا الحرس، بإلقاء كل طرف تهمة مشاكل البلاد فيما يخص الاقتصاد أو الملف النووي أو العلاقات الخارجية على الآخر.
ويقول علي ألفونه، الباحث لدى مجلس الأطلسي والذي أجرى بحثا واسعا بشأن الحرس الثوري، لوكالة "رويترز": "سيدير الحرس الثوري حافلات كبيرة وصغيرة لنقل الناس من أجل التصويت. سيعملون على حشد الناخبين ليس فقط في المناطق الريفية وإنما أيضا في الأحياء الفقيرة حول المدن الكبرى".
وأضاف "يريدون أن يصوت أنصارهم".
ومتوقع أن يسعى الحرس الثوري للتحكم في الإعلام كذلك لترجيح كفة مرشحه، خاصة وأنه سبق أن اعتقل في منتصف مارس/ آذار الماضي عشرات من مديري قنوات التواصل الاجتماعي الإصلاحية في موقع تلجرام الذي يحظى بشعبية طاغية في إيران ويستخدمه ملايين الأشخاص.
ويخشى تيار مرشد إيران علي خامنئي وذراعه العسكرية، ميليشيا الحرس الثوري وميليشيا الباسيج التابعة لها، من أن يقلص روحاني، إذا فاز بولاية جديدة، الصلاحيات التي أتاحت للحرس التمتع بنفوذ اقتصادي وسياسي هائل.
ويأتي هذا التخوف من الاتهامات العلنية التي وجهها روحاني لميليشيا الحرس حول مسؤوليته عن بعض المشاكل الاقتصادية والسياسية في البلاد.
ومن تلك الاتهامات ما جاء في خطاب روحاني الشهر الماضي وفقا للموقع الرسمي للرئاسة قال فيه إن: "دخول القوات المسلحة في إغراءات الاقتصاد قد يبعدها عن واجبها وهدفها الأساسي".
ونظر ميليشيا الحرس الثوري لا تقف عند حدود يوم 19 مايو/أيار (يوم اختيار الرئيس)، ولكن يمتد لما بعد ذلك، وهو من سيخلف المرشد خامنئي، والذي ينعم بسلطات أوسع من الرئيس.
وخامنئي البالغ من العمر 77 عاما يتولى السلطة منذ العام 1989، ويقول محللون إن ترشيح إبراهيم رئيسي للرئاسة خطوة تمهد لمن سيكون خليفة خامنئي.
وفي هذا يقول ألفونه "هذه الانتخابات ليست فقط من أجل اختيار الرئيس وإنما تتعلق أيضا بالخلافة بعد خامنئي."
"يعتقد الحرس الثوري أن هذه فرصته للقضاء نهائيا على التكنوقراط والتحكم في عملية الخلافة بعد خامنئي."
والمقصود من هذا أن اختيار رئيس للبلاد يخضع تماما للفكر المتشدد لخامنئي، يمهد لأن تكون الغالبية في هيئة مجلس الخبراء التي تختار المرشد تابعة لهذا الفكر.
وروحاني عضو حاليا في هذه الهيئة؛ بوصفه أحد أكبر الحاصلين على أصوات، واكتسح هو وحلفاؤه تقريبا مقاعد العاصمة طهران.
ولذا فإن الجبهة التي ستفوز في انتخابات الرئاسة ستكسب ميزة تعزيز فرصتها حين تقدم مرشحها لخلافة خامنئي.
وعلى الرغم من توخي خامنئي الحذر بشأن خياراته السياسية يبدو أيضا أن إبراهيم رئيسي يحظى بدعم الزعيم الأعلى كمرشح رئاسي وخليفة محتمل.
وطبقا لسيرة ذاتية رسمية منشورة على الإنترنت كان رئيسي يحضر منذ أوائل التسعينيات محاضرات دينية يلقيها خامنئي لفترة 14 سنة.
وفي العام الماضي عين خامنئي رئيسي رئيسا لهيئة دينية تبلغ ميزانيتها عدة مليارات من الدولارات.
وقالت وكالة أنباء فارس إن وفدا من كبار قادة الحرس الثوري ذهب لزيارة رئيسي في مدينة مشهد عندما عُين رئيسا لهذه الهيئة العام الماضي.
ولا يبدو أن ضمان التحكم في إدارة الأمن والعمل العسكري داخل وخارج البلاد هو الوحيد الذي يدفع الحرس الثوري لمعركته الضارية لكسب حليف وثيق في الانتخابات الرئاسية، فالسبب الاقتصادي له قوته وحضوره.
فالحرس يمتلك حيازات اقتصادية كبيرة من قطاع الإنشاءات إلى النفط والتعدين تقدر قيمتها بمليارات الدولارات.
وظهر ذلك في هجوم قادة ميليشيا الحرس على الاتفاق النووي الذي وقعه روحاني مع القوى الغربية، ويراه أهم إنجازاته، ويعتبر أنه أبعد به شبح الحرب عن البلاد.
ورد البريجادير جنرال أمير علي حاجي زادة، القائد الكبير في الحرس الثوري، على ذلك في تصريحات أواخر أبريل/ نيسان بقوله إن الاتفاق النووي لم يقلل مخاطر نشوب حرب ضد بلاده.
وقال لوكالة فارس للأنباء "هذه كذبة إنها إهانة".
ويقول خبراء في الشأن الإيراني إن الحرس الثوري يرى الاتفاق النووي وغيره من الخطوات الرامية لفتح الاقتصاد أمام الشركات الأجنبية تهديدا لمصالحه الاقتصادية.
وقال عباس ميلاني مدير برنامج الدراسات الإيرانية بجامعة ستانفورد في ولاية كاليفورنيا الأمريكية إن "الحرس الثوري يسعي في الأساس إلى مكاسبهم الاستثمارية الخاصة. إنه يمتلك نصيبا كبيرا في الاقتصاد ويريد نصيبا أكبر".
وأضاف قائلا إن الحرس الثوري "يعتقد أنه إذا فاز روحاني فإن انتصاره سيقلل بعض امتيازاته".