إيران وعلماء البيئة.. جحيم يبتلع ملتقطي "الفاكهة المحرمة"
نظام الملالي يشن حملة ضد علماء البيئة ممن اكتشفوا ممارسات مريبة للحرس الثوري، بينها طمر نفايات إشعاعية في مناطق آهلة بالسكان.
حين عاد عالم البيئة الإيراني، كاوه مدني، إلى بلاده في سبتمبر/أيلول 2017، تاركا وظيفته أستاذا في "إمبريال كوليدج" بالعاصمة البريطانية لندن، كان مفعما بذلك الفخر المنبثق عن إحساسه بأنه يرد الجميل لوطنه.
أحلام كثيرة راودت الشاب الإيراني (36 عاما)، وهو يخطو على مدرج الطائرة بحلولها في مطار العاصمة طهران، وتفكيره يجتر بهدوء تقارير بلاده حول حاجتها لأبنائها من الكوادر المهاجرة، مثيرة فيه ذات التساؤل: لماذا نخدم الغرب ونحن نمتلك من الكفاءة القادرة على المساهمة في بناء الوطن.
مدني ينجو من سيناريو إمامي
وبوصوله، عين مدني المتخصص في مجال المحافظة على المياه، رئيسا لمديرية البيئة الإيرانية (حكومية)، وفيها، كان يأمل بإحداث نقلة نوعية، خصوصا وأن الشاب يعد من أنبغ العقول الإيرانية، وهو حاصل، في يناير/كانون الثاني 2016، على جائزة التميز في مجال البيئة من الاتحاد الأوروبي، باعتباره أول عالم إيراني شاب.
وفي تصريحه، عقب تعيينه، ليومية "طهران تايمز" (حكومية)، الصادرة باللغة الإنجليزية، قال مدني: "كثير من الناس (الكوادر) ينتظرون ما سأقوم به، وفي حال حققت نجاحا، فإن آخرين سيعودون".
غير أن أحلامه سرعان ما غرقت في حمم الواقع الإيراني الأليم، ليغادر بلاده، بشكل سريع، أواخر مارس/آذار الماضي. ومن مكانه خارج البلاد، أرسل استقالة نشرها، قبل أسبوع، عبر "تويتر".
وقبل أيام من هروبه من إيران، انتشرت عبر الإنترنت، صور ظهر فيها مدني وهو يرقص في مكان ما خارج البلاد، في أمسية مختلطة قدمت خلالها المشروبات الكحولية.
ومع أن مدني ظهر في الصور وهو يرقص فقط، إلا أن حمى الانتقادات اللاذعة طوقته من كل جانب، وتواترت تعليقات رواد مواقع التواصل يصفون ما رأوه بـ"الفاحشة والفضيحة".
تعليقات سرعان ما تطورت مستنكرة كيف لشخص مثل مدني أن يتقلد مهاما حكومية في إيران، مرجحة في الآن نفسه أن يكون جاسوسا، وهو ما نفاه الجامعي بشدة عبر "تويتر"، مؤكدا أنه لا يمتلك سوى تأشيرة عمل في بريطانيا، وقد انتهت صلاحيتها مؤخرا.
جرائم الحرس الثوري.. ملفات محرمة
مطلعون على الشأن الإيراني، فندوا الادعاءات التي زلزلت مواقع التواصل في إيران بخصوص صور مدني الخاصة، وقالوا، في تصريحات تداولها نشطاء معارضون، إن كل ما جرى ليس سوى قصة فبركها الحرس الثوري الإيراني للإيقاع بـ"مدني".
فنظام الملالي الذي يشن حملة ضد علماء البيئة ممن اكتشفوا ممارسات مريبة للحرس الثوري، بينها طمر نفايات إشعاعية في مناطق آهلة بالسكان، كان يخطط لاعتقال مدني، ومن ثم تصفيته داخل السجن، تماما كما حصل لعالم البيئة كاووس سيد إمامي.
غير أن الضغوط التي تحاصر، حاليا، نظام الملالي، حالت دون استكمال مخططها الذي كانت تنوي تنفيذه بخصوص مدني.
فطهران تواجه تسونامي من الغضب الدولي جراء وفاة إمامي بسجن "إيفين" بطهران حيث كان معتقلا، والذي تقول إنه انتحر بزنزانته، فيما تشير منظمات حقوقية دولية، بينها "هيومن رايتس ووتش" إلى أن طهران قامت بتصفية عالم البيئة بالسجن، لاكتشافه معطيات مهمة حول ملف النفايات الإشعاعية.
وفي فبراير/شباط الماضي، نقلت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، في تقرير، عن النائب الإيراني عن مدينة طهران، محمود صادقي، قوله عبر "تويتر"، إنه حين استعلم من السلطات عن وفاة سيد إمامي، اكتشف أنها قبضت على كاوه مدني، نائب رئيس مديرية البيئة الإيرانية وأستاذ في إمبريال كولدج في لندن.
وأضاف أن مدني انتقل مؤخرا إلى طهران للانضمام إلى المديرية، وفي 12 فبراير/شباط الماضي، نشر الأخير مقطع فيديو على حسابه عبر "أنستقرام" يقول فيه إنه "عاد" إلى عمله دون تقديم تفاصيل عما إن كان قد احتُجز أم لا.
وفي الواقع، فإن طهران احتجزت مدني بالفعل، غير أنها اضطرت لإطلاق سراحه في وقت باتت فيه أنظار العالم منصبة عليها عقب حادثة وفاة سيد إمامي، في خطوة ترمي من ورائها لربح الوقت، قبل اعتقال مدني مرة أخرى، غير أن الأخير أدرك مخطط النظام، وغادر البلاد بشكل مفاجئ، لينشر استقالته إثر ذلك من مكانه الآمن خارج إيران.
وعلاوة على إمامي ومدني، تعتقل إيران العشرات من علماء البيئة، ممن عادوا إلى البلاد لتقديم خبراتهم وقدراتهم لها، لكن بمجرد اكتشافهم لإحدى الملفات "المحرمة"، تحاك ضدهم المؤامرات، وتفبرك لهم الصور ومقاطع الفيديو، للزج بهم في السجون، ومن ثم تصفيتهم بعيدا عن الأنظار.
سارة ليا ويتسن، مديرة قسم الشرق الأوسط في "رايتس ووتش"، قالت بالتقرير نفسه: "تبدو هذه موجة قمع أخرى ضد من يرغبون في مساعدة البلاد على حل مشاكلها المزمنة".
وأضافت: "على القضاء الإيراني أن يفرج فورا دون شروط عن هؤلاء النشطاء ما لم تكن عنده أدلة ذات مصداقية لاتهامهم فورا بجرائم ينص عليها القانون وبشكل يضمن لهم حقوقهم".