المواقف الأوروبية تشير إلى أن إيران لن تنجح في اتباع تكتيكها بسبب مجموعة القوانين التي ستحكم مجموعة "فاتف" والتي تراقب غسيل الأموال
مع سعي الاتحاد الأوروبي، خاصة فرنسا وألمانيا، لتوقيع اتفاق جديد مع إيران يقضي باستمرار الاتفاق النووي مع دول الاتحاد الأوروبي، فإن السؤال الاستراتيجي المطروح: هل تنجح الخطوة الأوروبية أم ستواجه صعوبات حقيقية في التنفيذ خاصة من قبل دول الاتحاد الأوروبي؟
وللإجابة على هذا السؤال علينا أن نضع في عين الاعتبار عدداً من الاعتبارات التي من الممكن أن تعترض نجاح الاتفاق الأوروبي الإيراني.
دون حسابات سياسية واستراتيجية حذرة من قبل دول الاتحاد الأوروبي فإن إيران ستناور وتتحرك بحرية رغم برنامج العقوبات الأمريكية المفعل بصورة جيدة وبشكل موجع بالفعل لإيران، رغم كل التحركات الحالية، والسؤال: ما الذي تملكه دول الاتحاد الأوروبي للتعامل مع الحالة الإيرانية حال انتهاك ما سيتم الاتفاق حوله؟أولاً: يرتكز الاتفاق الجديد بين دول الاتحاد الأوروبي وإيران على إيجاد آلية مالية للعمل في منظومة منضبطة تدعو إلى وقف تطوير برامج الصواريخ الباليستية ومراجعة السياسات الإيرانية الإقليمية، وهو إجراء لا يشمله الاتفاق، وهو أيضاً إجراء يخرج من الاتفاق النووي الإيراني الذي كان يضم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وإيران، وأقر بوضع استمر سنوات نجحت إيران في اختراقه والإفلات من بنوده الصرامة، مما دفع الرئيس الأمريكي ترامب -وقبل أن يصل للحكم في البيت الأبيض- أن يؤكد انسحابه من الاتفاق النووي، وهو ما جرى رغم كل الاعتراضات والتحفظات التي أبداها جنرالات وزارة الدفاع الأمريكية والذين طالبوا بالتريث وعدم الانسحاب إلا بعد استيفاء المتطلبات الأمنية الأمريكية، ومع ذلك تم الانسحاب وخرج الأمريكيون من الاتفاق.
لقد استمر الجانب الأوروبي يطرح البديل الذي تم بالفعل في الوقت الراهن؛ حيث اتفقت الدول الأوروبية على تفعيل الرقابة المالية لضمان استمرار التجارة والاستثمار مع إيران، ومن الواضح أن الجانب الألماني سيكون هو المسئول بالفعل عن الإدارة الآلية المالية المقترحة، على أن تقوم بريطانيا بدور المحاسب، فيما ستكون فرنسا مقراً للآلية المقترحة، والتي طرحت منذ عدة أشهر وظلت على طاولة المفاوضات حتى اتفق جميع الأطراف وتم التوصل وظلت محلا توافقيا، حيث وافق عليها الجانبان الإيراني والأوروبي، واستمرت المفاوضات طوال هذه الأشهر للتوصل إلى نقطة بداية يمكن أن يبدأ بها الطرفان مرحلة جديدة من العمل معاً.
ثانياً: إن الآلية الجديدة التي يمكن أن تكون مدخلاً للتعامل مجدداً بين إيران والاتحاد الأوروبي مرتبطة بعدة ضوابط ومعايير لا يمكن أن تقتصر فقط على الجانبين، خاصة أن الولايات المتحدة لن تقف مراقبة لما يجري، لا سيما أن موقفها معروف في إطار تفعيل منظومة العقوبات الدولية ضد إيران، لإثنائها عن نهجها السياسي الراهن تجاه دول المنطقة من جانب، ووقف برنامجها الصاروخي وعدم المضي في تخصيب اليورانيوم، ومراجعة سياستها الاستراتيجية في الملف النووي ليس في بوشهر وأصفهان، وانما أيضاً في ناتنز وسائر خطواتها السرية من جانب آخر، وهو ما يؤكد أن إيران يجب أن تلتزم بالخط الأمريكي الداعي للاتفاق الجديد؛ حيث سيظل الرهان الأمريكي على التوصل لاتفاق جديد يعالج السلبيات كافة التي حفل بها الاتفاق السابق، والذي استطاع أن يمكن الجانب الإيراني من المراوغة واتباع تكتيكات حقيقية للتوصل إلى أهدافه الاستراتيجية، وهو ما يراهن عليه الجانب الإيراني في الوقت الراهن، بدليل تشكك مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغريني، والتي اشترطت تفعيل الآلية المالية الخاصة قبل اتخاذ خطوات لمعاقبة الصواريخ الإيرانية؛ حيث تريد دول الاتحاد الأوروبي توقف إيران عن إنشاء واستخدام وتطوير الأنواع المتقدمة من وحدات التخصيب ذات الإنتاج المضاعف) مثل IR-2 وغيره، فيما تتطلع إيران لاستخدام الأنواع المتطورة ذات الإنتاجية الكبيرة؛ لأن طاقة الجيل الأول من أجهزة الطرد المركزي المستخدمة حالياً في إيران ضعيفة وتبلغ طاقتها 3 سو، وتستخدم إيران حالياً نوعاً جديداً من وحدات التخصيب وهو IR-2، الذي يمكنها من مضاعفة الإنتاج 3 مرات.
ثالثاً: تشير المواقف الأوروبية إلى أن إيران لن تنجح كما تتصور في اتباع تكتيكها السابق بسبب مجموعة القوانين التي ستحكم مجموعة "فاتف" والتي تراقب غسيل الأموال، ومخاطر الحركة المالية والأنشطة غير القانونية، إضافة إلى أن الجانب الإيراني سيوقع عقب تمرير الاتفاق المالي على بنود اتفاق آخر لدور إيران في المنطقة وفق برنامج الصواريخ الباليستية بالتزامن مع الاتفاق النووي، خاصة أن دول الاتحاد الأوروبي تراهن على مرحلة جديدة مع إيران بهدف الاستمرار في مسار التجارة والاستثمار، وعلى اعتبار أن الآلية المالية ستكون بالأساس عبارة عن تعويض مالي للشركات التي تبيع إلى إيران مقابل إمدادات النفط إلى أوروبا، والمعلوم أن هذه الآلية ستتعامل بنطاق مالي وبغير الدولار.. هذا اقتصاديا. أما سياسيا فالأمر مختلف تماما في ظل مخاوف توظيف الجانب الإيراني الاتفاق الجديد لإعادة التحرك في مناطق مختلفة في الإقليم، لا تقتصر على سوريا فقط وإنما على حزب الله في لبنان، وحركة حماس في فلسطين، والحشد الشعبي في العراق، وجماعة الحوثي في اليمن، ومن ثم فإن إيران لن تهدأ كما هو متوقع، خاصة أن تساؤلات مشروعة يمكن أن تساق في هذا الإطار مرتبطة بالقرار الأممي الشهير 2231 وبالأنشطة الإيرانية التي تقوم بها، وتؤكد أن إيران لن تكون دولة مقبولة في المنطقة، بل ستظل مصدر توتر واضطراب في الإقليم، خاصة أن هذا الأمر سيرتبط بالأساس بسلوكيات النظام الإيراني وتوجهاته في المنطقة، إضافة إلى أن تخصيب اليورانيوم سيجري وفقاً لحاجات إيران، كما أنها لن تتخلى عن حقوقها النووية ولن تتراجع عن برنامجها النووي، وستحتفظ بكل المنشآت النووية، ولم تقفل أية منشأة، ولم تفكك أية تجهيزات.
رابعاً: دون حسابات سياسية واستراتيجية حذرة من قبل دول الاتحاد الأوروبي فإن إيران ستناور وتتحرك بحرية رغم برنامج العقوبات الأمريكية المفعل بصورة جيدة وبشكل موجع بالفعل لإيران، رغم كل التحركات الحالية، والسؤال: ما الذي تملكه دول الاتحاد الأوروبي للتعامل مع الحالة الإيرانية حال انتهاك ما سيتم الاتفاق بشأنه سواء في الآلية القانونية أو في إيقاف برنامج الصواريخ طويلة المدى؟
إن الإجابة تتطلب الاتجاه نحو خطوة العقوبات مباشرة، ولعل ما قاله وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان يبدو مطروقاً بقوة حال تمسك إيران بنهجها السياسي الراهن ليس في سوريا وإنما في اليمن، وهو ما يتطلب موقفاً موحداً لدول الاتحاد الأوروبي منعاً لاستثمار الجانب الإيراني لأية ثغرات للمضي قدماً في تحقيق مكاسبها السياسية والاستراتيجية، خاصة أن موقف الخارجية الإيرانية مراوغ وغير واضح، فهو لا يشير إلى التزام مسبق بشأن برنامج الصواريخ، ووجود مشاورات سياسية تتعلق بالخيارات السياسية والاستراتيجية التي ستمضي بها إيران في الفترة المقبلة بعد توقيع الاتفاق الجديد مع دول الاتحاد الأوروبي.
تدرك إيران جيداً أن المضي قدماً في إبرام اتفاق جديد والالتزام به سيحتاج إلى خطوات حقيقية جديدة تتعلق بالدخول طواعية في اتفاقية مكافحة الجريمة الدولية، واتفاقية مكافحة تمويل الإرهاب وغسيل الأموال، وهما الاتفاقيتان اللتان سبق وأعلن مجلس تشخيص مصلحة النظام رفضهما بسبب معارضتهما المصالح القومية الإيرانية، على الرغم من أن البرلمان الإيراني أقر 4 لوائح قدمتها الحكومة، كما أنها تفتح الباب لامتثال إيران لمعايير مجموعة مراقبة العمل المالي بناء على تعهدات قطعتها أثناء مفاوضات الاتفاق النووي، ولا شك أن كل هذه الإجراءات ستؤثر بالفعل على أنشطة الحرس الثوري وأذرعه الخارجية كفيلق القدس وحركتي الجهاد وحماس، بل ستمتد إلى مصادر التمويل الخاصة والممنوحة لكل هذه الأطراف، مما سيقيد الحركة الإيرانية في الإقليم بصورة كاملة، وهو ما تسعى إليه دول الاتحاد الأوروبي بالأساس، ولكن سيكون للواقع الممارس على الأرض مساراً آخر، في ظل التباين والتجاذب القائم والمستمر بين أعضاء مجلس تشخيص مصلحة النظام محسن رضايي حول اتباع الأولويات المطلوبة من الجانب الإيراني، والذي يشير إلى أحد أمرين، الأول اتباع النظام الإيراني لعبة توزيع الأدوار للتأكيد على أن إيران دولة مؤسسات حقيقية، وأن هناك صراعاً حقيقياً بين الاستمرار أو التوقف عن الالتزام بالاتفاق لعدم وجود جدوى حالية له، وكونه مع الاتحاد الأوروبي لعدم جدواه الراهنة وأنه يقيد الدولة الإيرانية، ويقف ضد مصالحها القومية العليا، والثاني المضي قدماً رغم كل الخلافات والتباينات السياسية والاستراتيجية لتوقيع الاتفاق الجديد، بل العمل على إنجاحه؛ حيث لا بديل حقيقي أمام إيران في ظل الضغوطات الأمريكية الكبيرة -التي تمارسها الإدارة الأمريكية ضد النظام- لإثناء الجانب الإيراني عن نهجه وإعادته للتفاوض من منطق الخاسر وليس الكاسب، مع الضغط عليه من منطق صفري، وهو ما لا يمكن للنظام الإيراني القبول به في الفترة الراهنة، بل بالعكس سيعمل على الاستمرار في التصعيد، ولو الشكلي من منطق حفظ ماء الوجه، خاصة أن تيار المتشددين شكلا هو الذي يدير قواعد اللعبة، وسيتحكم في المعادلة التي ستمس بالفعل قوات الحرس الثوري حال تنفيذ الإجراءات الموضوعة بدقة، والوكلاء الكبار لإيران في الإقليم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة