إيران اليوم، ومن خلال إضعافها ومحاصرتها بالعقوبات الاقتصادية الحازمة والمُحكمة، يكون بالإمكان تطويعها
كوريا الشمالية بعد أن تملكت الرادع النووي لا يستطيع المجتمع الدولي أن يُجبر رئيسها «كيم جونق أون» على الامتثال لضغوط مجلس الأمن، ولا لضغوط العقوبات الاقتصادية، مهما كانت قاسية، فقد تعودت هذه الدولة على العقوبات والحصار، ولم ترعوي، وسوف تمضي قُدما في تطوير قوتها النووية، وكذلك الصواريخ الباليستية العابرة للقارات.
وفي المقابل ستضطر الحكومة الأمريكية في نهاية المطاف إلى الحلول السياسية، لأن الحلول العسكرية تعني أن حربا نووية ستقوم وتختفي الكوريتان من الخارطة، وربما اليابان أيضا، ما يجعل الحل السياسي هو (فقط) الحل المتاح؛ الأمر الذي سيعتبره كثيرون يراقبون الأزمة، انتصارا لهذا الرئيس الكوري المتهور.
"إيران مُرشحة بامتياز في السنوات القليلة المقبلة، لأن تلعب الدور ذاته، وتختلق أزمة مماثلة، بل ربما أخطر بكثير من كوريا الشمالية في حال أنها امتلكت السلاح النووي. وهي بلا شك تراقب كوريا الشمالية عن كثب، وسوف تسعى قطعا لتكرار التجربة ذاتها"
هذه التجربة يجب أن نأخذها في الاعتبار هنا، ونتعلم منها جيدا؛ فإيران مُرشحة بامتياز في السنوات القليلة المقبلة، لأن تلعب الدور ذاته، وتختلق أزمة مماثلة، بل ربما أخطر بكثير من كوريا الشمالية في حال أنها امتلكت السلاح النووي. وهي بلا شك تراقب كوريا الشمالية عن كثب، وسوف تسعى قطعا لتكرار التجربة ذاتها.
وغني عن القول إن إيران دولة دينية كهنوتية، تؤمن إيمانا يقينيا بالأساطير الدينية الموروثة، وينص دستورها بوضوح على تصدير الثورة الخمينية، التي هي للملالي ذات أولوية مطلقة، لا يمكن أن يتنازلوا عنها، أو يساوموا عليها.ويُنفق الملالي الأموال، ويجندون المليشيات، ويشعلون الحروب، ويستقطبون الأتباع، ويسخّرون الظروف ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا، لتحقيق هذه الغاية التي يعتبرونها رسالة الجمهورية الإسلامية الأولى، غير مبالين أن الشعوب الإيرانية، تئن من الفقر والجوع والتخلف والبطالة والخدمات المدنية المتدهورة في أغلب محافظات إيرن؛ ورغم كل ذلك فملالي إيران لا يكترثون بأمر مثل اكتراثهم بتصدير الثورة، وإنفاق كل ثرواتهم لتحقيق هذه الغاية.
ولك أن تتصور هؤلاء المؤدلجين وهم بهذه العقلية، لو نجحوا في امتلاك القنبلة النووية، أيّ كارثة ستحل بالعالم وبنا على وجه التحديد؟ خاصة أن الدولة الدينية المتأسلمة، سواء كانت شيعية أو سنية، تؤمن بجهاد (الغزو)، وتعتبره فريضة من فرائض الدين، لابد من تفعيلها بمجرد أن تتوفر القدرة والقوة على تنفيذه.
إيران اليوم، ومن خلال إضعافها ومحاصرتها بالعقوبات الاقتصادية (الحازمة) والمُحكمة، يكون بالإمكان تطويعها، وإرغامها على التخلي عن طموحاتها التوسعية، وفي الوقت ذاته تحفيزها على تنمية داخلها اقتصاديا، وصرف مداخيلها على الرقي بالشأن التنموي، وبالخدمات المدنية الشاملة، بدلا من صرف ثرواتها على طموحاتها العدائية المستقاة من الموروث الديني الشيعي، فإن ارعوت، فهذا كل ما يطلبه المجتمع الدولي منها، وإن كابرت وأصرت على سياساتها العدوانية، فخنقها من خلال العقوبات المحكمة، كفيل قطعا بإسقاطها، قبل أن تمتلك القوة النووية التي تخطط لامتلاكها، وسقوط نظام الملالي القادم من القرون الوسطى، سيخلفه حتما نظام مدني، ودولة حديثة، وينعم الإنسان الإيراني المغلوب على أمره بثرواته، وترتاح -أيضا- من هذا النظام الشرير دول الجوار الإيراني، التي تسعى إيران بكل ما تملكه من قوة ومن ثروات لضمه إلى نفوذها.
نقلا عن "الجزيرة السعودية"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة