يمكن للعقوبات المتعلقة بالاتفاق النووي أن تُرفع. ولكن ماذا بشأن العقوبات الأخرى؟
إيران التي تريد رفع كل العقوبات المفروضة عليها، تريد في المقابل أن تواصل أعمالها التخريبية في المنطقة ونشاطات مليشياتها وتدخلاتها في شؤون الدول الأخرى، ودعم منظمات الإرهاب. وهذا ما لا يتوافق مع المنطق. ولن تجرؤ عليه أي إدارة أمريكية، مهما بلغت من التساهل مع إيران.
الحقيقة هي أن إيران لا تريد "التساهل" مع أحد في سلوكها في المنطقة. وهي تفعل ذلك، لأنها انتهجت من الأساس سبيلا لا يُفضي، في النهاية، إلا إلى أن تكون في موضع المعزول والمكروه.
إيران هي التي تعاقب نفسها، في الواقع، بينما تحاول دول العالم، ومن بينها دول المنطقة، أن تجد سبيلا لكي تقنعها بأن تكف عن إثارة النزاعات والصراعات وإدارة عمليات الإرهاب وتنظيمات الفساد في العراق ولبنان واليمن.
لا أحد أجبر إيران على هذا المسلك الأعوج، إلا أنها تبنته بقناعاتها الخاصة، واندفعت فيه إلى درجة أنه لم يعد بوسعها التراجع.
العودة إلى الاتفاق النووي قد تحصل أو لا تحصل. إلا أن إدارة الرئيس جو بايدن تعرف تماما ماذا تريد منها. إنها تريد تجريد إيران من قدراتها النووية وإخضاع برنامجها النووي لرقابة دولية صارمة، وإلا فإن سيف العقوبات سوف يعود ليتسلط على إيران.
صحيح أن ما قد تحصل عليه إيران من أموال باستئناف صادرات النفط، سوف يُنظر إليه على نطاق واسع في العالم وفي الولايات المتحدة نفسها، على أنه إعادة تمويل المليشيات المدعومة إيرانيا، إلا أن ثلاث سنوات، بالحد الأدنى من العقوبات، بين عامي 2015 حيث تم توقيع الاتفاق النووي، و2018 حيث خرجت الولايات المتحدة منه، لم توفر لإيران السبيل لكي تستفيد فعلا من عائدات النفط. ذلك أن برامجها ونشاطاتها المزعزعة للاستقرار في المنطقة، استهلكت جزءا كبيرا من تلك العائدات. ومع تدهور البنية التحتية وفقر الخدمات الأساسية، فإن الأموال التي قد تحصل عليها إيران، من رفع العقوبات، سوف تتبدد هي الأخرى. لسبب بسيط، هو أن مشاريع إيران الخارجية لم تتغير وبرامجها العسكرية سوف تظل تستهلك القسط الأكبر مما قد تحصل عليه.
مليشيات "حزب الله" و"أمل" في لبنان التي تزرع وتتاجر بالمخدرات سوف تظل بحاجة إلى عدة مليارات سنويا. ذلك أنها أقامت دولة موازية تقوم على دعم تمويني مباشر من طهران.
وحال مليشيا الحوثي أسوأ من ذلك، فهي تعتمد في تسلحها على ما تقدمه إيران. أما مليشياتها في العراق، فقد فقدت السلطة، مما يجعلها عالة بعد أن كانت مصدرا لعمليات النهب المنظم الذي تذهب عائداته إلى إيران.
جزء مهم من الأموال سوف يظل محتجزا أيضا، لتمويل العقود مع الشركات الغربية، كما أن روسيا تنتظر هي الأخرى رفع العقوبات لكي تسدد لها طهران ما تراكم من ديون، ولكي تحصل على فرص جديدة، لا سيما في بعض الصفقات العسكرية.
قصارى القول، فإن ما قد تجنيه إيران من رفع العقوبات سوف يظل شحيحا، ولكنه سوف يظل واقعا تحت سيف عقوبات جديدة باستمرار.
يوم أرادت الولايات المتحدة ودول المنطقة من إيران أن تتم معالجة كل قضايا القلق دفعة واحدة، رفضت إيران قبول مبدأ التفاوض على برنامجها الصاروخي، ونشاطاتها المزعزعة للاستقرار. وهو ما يعني أن إيران هي التي اختارت أن تُغلق بابا للعقوبات، وتُبقي بابا آخر مفتوحا.
المليشيات الموالية لإيران في العراق، لا تملك إلا أن تواصل تهديد بقايا الوجود الأمريكي في العراق. وفي لحظة من اللحظات، سوف توضع إيران أمام أحد خيارين: إما أن تسحب يدها وغطاءها عن هذه المليشيات لكي يمكن ضربها أو حلها أو تصفيتها بالقوة، وإما أن تتحمل هي عواقب ما ترتكبه من جرائم، فتعود لتُفرض عليها عقوبات جديدة.
شيء مماثل يمكن أن يحصل ضد "حزب الله" في لبنان وجماعة الحوثي في اليمن. فإما أن يتم إبطال ما تشكله هاتان الجماعتان من تهديدات، وإما أن يقع العبء على إيران.
وما هذه إلا ورطة، أرادت دول المنطقة أن تفتح الطريق لإيران لكي تتخلص منها. ولكنها أبت إلا أن تُبقي الجرح مفتوحا.
بين هذا وذاك، يكون البرنامج النووي الإيراني قد تم تحطيمه. وتكون إيران قد خسرت أداة "المناورة"، مقابل الحصول على حفنة دولارات سوف تتسرب كما يتسرب الماء من الغربال.
ولن يمضي وقت طويل، حتى تدرك إيران، أنها لا حافظت على برنامجها النووي، ولا كسبت المال.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة