اللغة العربية تزخر بمفردات غاية في الدقة وتحديد المفاهيم، لذلك قالت العرب قديماً: زيادةُ المبنى زيادةٌ في المعنى.
وبمجرد أن تكتب في وسائل التواصل الاجتماعي كلمة حق بحق "العمل" الجاد الذي تراه في دول الخليج العربي على مستوى القيادة والشعب، لا سيما السعودية والإمارات، أو تستشهد بالتغيرات الإيجابية التي تشهدها هذه الدول كل شهر وكل يوم وكل ساعة، يقال إنك تقبض لتكيل المديح، فيما المشهد الحياتي بين دول الخليج العربي لا يحتاج إلى دفعة مديح، إذ إن واقع دول الخليج العربي يمتدح ذاته بذاته من باب "العمل" الجاد الدؤوب المتطور المواكب للعصر، المستقر الآمن المزدهر، ما يعني أن واقع هذه الدول واهتمام قيادتها بمواطنيها هو مديح "عملي" لا يحتاج إلى مساعدة المديح اللفظي، ولعل الخدمات الفائقة للمواطن والمقيم والزائر دليل على ذلك التقدم وتلك الرفاهية، فيما نجد في الجوار من لا يزال يعاني العقوبات الدولية وغير قادر على تأمين خدمات كافية لكثير من بقاع مجتمعه، ولعل مؤشرات الهجرة أكبر دليل على ذلك.
ولنا في أداء السعودية والإمارات خلال أزمة فيروس كورونا مثال جيد على فكرة "العمَل" والجهد لتحسين ظروف مواجهة الفيروس، إذ قدمت الجهات المختصة في دول الخليج العربي نموذجاً بات يُستشهد به عالميا من حيث متانة المنشآت الصحية، ودقة "عمل" المؤسسات الحكومية، والمنح السخية للجيوش البيضاء، التي وفقها الله لحماية المواطنين من آثار الجائحة.
وفي وقت يذهب فيه الوفد الإيراني إلى فيينا بالنمسا من أجل التفاوض حول الملف النووي ورفع "العقوبات" عن بلاده، تُذكرنا اللغة العربية أيضا بمفردات من قبيل "المُذنب يُعاقَب"، فالعقوبات التي فُرضت على إيران مردّها الممارسات التي تنتهجها المليشيات الموالية لها في بلدان عربية كالعراق ولبنان واليمن، فضلاً عن البرنامج النووي الإيراني غير السلمي وغير الخاضع للرقابة الدولية الكاملة.
ولعل الأوضاع في هذه البلدان المشار إليها ينقلنا من منطق "العمل" إلى بؤرة "العِمالة"، فأتساءل: أليست "العِمالة لدولة أجنبية" هي تماما ما يقوم به حسن نصر الله، زعيم مليشيا "حزب الله" الإرهابي في لبنان، حين يعترف علناً في خطاب له بأن "راتبه ورواتب مرتزقته وصواريخه وسلاحه من إيران؟".
وفي الوقت نفسه -من عجَبٍ- نجد "نصر الله" يوزع صكوك الوطنية على الآخرين، فيصنف الناس بـ"هذا عميل"، فقط لأنه -عكسه- يرفض التبعية لإيران.
أما مليشيا الحوثي في اليمن، فإن "أعمالها" وجرائمها أضحت مادة يومية لأخبار تأتي من البحرية الأمريكية، التي تُصادر شحنات السلاح الإيرانية القادمة إلى موانٍ يمنية يسيطر عليها الانقلاب الحوثي، الذي يحتل العاصمة، تلك التي يستخدم الحوثيون فيها المنشآت المدنية لأغراض حربية، كتجميع المُسيّرات والصواريخ البالستية، التي يُراد بها الاعتداء على المدنيين في اليمن وجواره.
ومن "العمَل" و"العِمالة" إلى "العُملة".. فسبب انهيار "العُملة" الوطنية في لبنان واليمن والعراق ذلك الاقتصاد الموازي، الذي تديره مليشيات موالية لإيران، لا سيما تجارة الحبوب المخدِّرة، التي نشط "حزب الله" في مضمارها وبرع، وذلك محاولة منه للإضرار بالآخرين عبر هذه السموم.
هذا "العمَل" الذي يقوم به أمثال هؤلاء يقوّض البنية التحتية لأوطانهم، ويجعل عُملاتهم المحلية في مهب الانهيار، لكن في النهاية تبقى الدول دولاً، والمليشياتُ مليشياتٍ.. لا مستقبل لها أو معها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة