يبشر الروس بأن الاجتماع المقبل للجنة الدستورية السورية سيحمل تغيرا.
لا أحد يعرف بعد إن كان يقصد بالتغيير فقط جلوس رئيسي وفدي الحكومة وهيئة التفاوض مع بعضهما لأول مرة منذ بدء المفاوضات، أم أن هناك شيئا أخر لا تريد موسكو الإفصاح عنه. ولكن مؤشرات عديدة تقول إن موسكو تحاول بلورة استراتيجية جديدة في سوريا بعيدا عن "حلفاء" الميدان. ينتاب الإيرانيون ومليشياتهم قلق، فيسافر وفد حزب الله إلى موسكو ليستوضح الاستراتيجية من جهة، ويوضح خطوط طهران الحمراء بشأنها من جهة أخرى.
التساؤل بشأن خطط روسيا في سوريا يدور في خلد الجميع منذ بدء تطبيق عقوبات قيصر على دمشق منتصف العام الماضي. خاصة وأن الإدارة الأمريكية لا تبدو متحمسة كثيراَ لحل الأزم السورية، أو حتى للحوار مع الروس بشكل عام. أما بالنسبة لإيران وحزب الله فأكثر ما يقلقهم هو ذلك الحوار الروسي العربي الذي بدأ مؤخرا للبحث عن مقاربة جديدة يستعيد فيها الأشقاء دورهم في حل الأزمة الممتدة منذ أكثر من عقد. فذلك الحوار يشكل تعزيزا لتحالف عربي تقوده السعودية والإمارات ومصر في مواجهة التوسعين الإيراني والتركي بالمنطقة، وتسخر الدول الثلاثة فيه جميع إمكاناتها وتحالفاتها الإقليمية والدولية.
تعتقد طهران أن سؤال الروس عن خططهم عبر حزب الله لن يحدث شقاقا مع موسكو في هذا الملف، كما أنه يبلغ الكرملين رسالة واضحة بأن الحزب محط ثقة وتفويض من قبل خامنئي لإدارة الشأن السوري. وكي لا يتجاوز الأمر حدوده المطلوبة أوكلت المهمة للبناني رئيس كتلة الوفاء للمقاومة محمد رعد، الذي زار موسكو قبل عقد من الزمن يجس نبضها حيال الأزمة السورية بعد أشهر قليلة فقط من تفجرها. أما على الجانب الآخر فقد جلس من يبرع في قراءة ما بين السطور، وصياغة الرسائل المشفرة ذات الأوجه الكثيرة في التأويل والتحليل والتفسير، وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ونائبه ميخائيل بوغدانوف.
أراد الروس زيارة وفد حزب الله بقدر ما أرادها الإيرانيون، ويبدو أن الأجوبة غير الشافية هي ما حصل عليه الطرفان من بعضهما. تتطلع طهران إلى فهم ماذا يدور في خلد موسكو لحل الأزمة السورية، فيما ينتظر الروس توضيحات حول محاولات حزب الله الحثيثة للتحول إلى دويلة داخل سوريا، كما هو حاله في لبنان اليوم. فهذه المحاولات لا تسهم أبداً في حل الأزمة، وإنما تزيدها تعقيدا وتدفع باتجاه تقسيم البلاد. خاصة وأن واقع الحال في الميدان يقول إن تفكك الدولة بات واردا مع مساعي التتريك المستمرة لمناطق سيطرة أنقرة شمال البلاد، ومع ترسيخ الأكراد لمشروع إقليمهم المستقل تحت الوصاية الأمريكية.
ما تفعله إيران في سوريا هو منع أي فرصة لقيام دولة سورية متعافية في المستقبل، وذلك من خلال ثلاثة محاور، عرقلة الحلول السياسية للأزمة، وزرع ثقافة طائفية إقصائية وعدوانية في نفوس أجيال من السوريين، وثالثاً إضعاف مؤسستي الأمن والجيش إلى حدود تبقيا فيها على قيد الحياة ولكن تحت إمرة وقيادة حزب الله ومليشيات طهران الأخرى. وباختصار هي ذات الوصفة التي اعتمدت في لبنان، وقد أشرف على تنفيذها قائد فيلق القدس السابق قاسم سليماني منذ اليوم الأول للتدخل الإيراني في الأزمة السورية، وحتى مقتله في عملية عسكرية أمريكية نفذت مطلع عام 2020 قرب مطار العاصمة العراقية بغداد.
لم ترضَ إيران يوما عن المحاولات الروسية لإنهاء الحرب في سوريا لأنها كانت ولا زالت تتعارض مع خططها في الهيمنة على البلاد، ولكنها لم تكن قادرة على تعطيل هذه المحاولات. الآن وفي ظل هذا الهدوء النسبي الذي يسود الميدان، تحاول طهران تعزيز نفوذها العسكري والسياسي والاقتصادي والاجتماعي في سياق ذات الخطة التي وضعت منذ البداية للهيمنة على البلاد، أما موسكو فتستكمل مساعيها لإنهاء الأزمة عبر تفاهمات تخلق حلولا متوازنة تأخذ بعين الاعتبار الظروف الداخلية والعربية والدولية. وهي مساعٍ تخدم المصلحة الروسية، فالسياسة لعبة مصالح أولا وأخيراً.
خياران واضحان أمام الولايات المتحدة في هذا السياق، إما أن تعقد مع الروس تفاهمات تعيد الأتراك والإيرانيين لحدودهم، وتعيد سوريا كتلة واحدة إلى الحاضنة العربية التي تنتمي إليها. وإما أن تهب سوريا للإيرانيين وتغض الطرف عما يجري بينهم وبين الروس، لتقف متفرجة على صدام تزيد احتمالاته بين الطرفين يوما بعد يوم. لن يخرج أحد رابحاً من هذه المواجهة سواء في سوريا أو المنطقة أو العالم، والنتيجة ستكون تقسيم الدولة إلى أربع أو خمس دويلات تهدد أمن منطقة الشرق الأوسط بأكملها لأجل غير مسمى.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة