إحراق مؤسسات الدولة التي قامت بها مجاميع غاضبة من الشباب كانت رسالة غاضبة من الجماهير على سنوات الفشل والفساد للسلطة الحاكمة.
انتفاضة البصرة التي يبدو ظاهراً أنها اندلعت بسبب عدم توفر الماء والكهرباء تحمل جذوراً وأسباباً أكثر عمقا، يحاول البعض إخفاءها، مثلما تحاول الأحزاب الحاكمة في العراق شيطنة المتظاهرين، باتهامهم بأنهم إرهابيون وبعثيون ودواعش، للتغطية على جريمة كبرى ارتكبتها إيران بحق أبناء البصرة، بقطع الكهرباء عنهم، ومن ثم غلق نهر الكارون، في محاولة منها للعب بورقة إقليمية من شأنها -إن تفاعلت- أن توقف تصدير النفط العراقي بالتزامن مع حصار إيران وتهديدها بإغلاق مضيق هرمز لخلق أزمة عالمية تحرج الولايات المتحدة والدول الكبرى.
الرسالة الغاضبة التي وجهها شعب البصرة لإيران بإحراق قنصليتها كانت كبيرة، بمستوى الأذى الذي تسببت به إيران للبصرة وأهلها، وهي لن تمر بسهولة عند الجار الشرقي المتربص غدراً بالعراق، وسيأتي الرد الانتقامي من البصرة عاجلاً أم آجلا
وبالعودة لانتفاضة شباب البصرة ومكنوناتها، فيكفي أن نقول إن هذه المدينة التي تطفو على البترول ولم تستفد منه ألبتة بسبب الفساد المالي والسياسي لأحزاب السلطة تحملت كثيرا، وانتظرت طويلا أن يتم تقديم أبسط الخدمات لها، لكن الدولة أمعنت في إذلال وتجويع شعبها بالتزامن مع العقوبات الإيرانية للمدينة التي كانت من أوائل المدن التي رفعت شعار "إيران برا برا.. بغداد تبقى حرة"؟!
لذلك خرج شباب البصرة الى الشوارع ليقولوا كلمتهم، وانتظروا أياما وأياما أن تلتفت لهم الدولة، لكنها كانت تقدم الوعود تلو الوعود دون نتيجة تذكر؟! لذلك قام شباب غاضبون بإحراق بعض مؤسسات الدولة، إضافة إلى إحراق جميع مقرات الأحزاب السياسية "الإسلاموية" عقابا لها على الفساد منقطع النظير طيلة السنوات الماضية.
ومن يعرف البصرة وأهلها جيدا يدرك تماما بعض الحقائق التي سأوردها هنا من أجل أن تكتمل الصورة.. أولها أن اغلب المتظاهرين كانوا من فئة الشباب بين (١٥-٢٥) عاما، وهؤلاء لم يكونوا "بعثيين" في يوم من الأيام لأنهم ولدوا بعد تغيير النظام، أو كانوا أطفالا إبان الحكم السابق، لذلك تنتفي تهمة كونهم ينتمون لحزب البعث؟! وأغلب هؤلاء الشباب من الطلبة الجامعيين أو الخريجين الذين لم توفر لهم الدولة وظيفة لكونهم ليسوا من أعضاء الأحزاب "الإسلاموية". لذلك خرجوا بعد حملة في مواقع التواصل الاجتماعي حفزتهم جميعاً للخروج من أجل تغيير واقعهم المزري، ولم تفلح كل محاولات الحكومة امتصاص غضبهم بعد أن استنجدت بشيوخ العشائر وقدمت لهم مغريات ووعودا فارغة لا تقدم ولا تؤخر؟!
حتى إحراق مؤسسات الدولة التي قامت بها مجاميع غاضبة من الشباب كانت رسالة غاضبة من الجماهير على سنوات الفشل والفساد للسلطة الحاكمة، لذلك لم تسجل البصرة أية حالة سرقة للمال العام أو الممتلكات ولا حتى الأسلحة التي تركت في أماكنها على عكس ما حدث في عام ٢٠٠٣، بل أرادوا إيصال رسالة لأحزاب السلطة مفادها بأن مقراتكم هذه لا تعنينا لأنها ليست مقرات الشعب، وهذه الأماكن كانت تدور فيها الصفقات المشبوهة لنهب ثروات أهل البصرة، ونحن غير آبهين بها ولا نعير لها أهمية؟!
ومن أجل خلط الأوراق، قامت بعض الأحزاب والمليشيات بإحراق دوائر حكومية مهمة من داخل الأبنية وليس من خارجها، لتشويه سمعة المتظاهرين، وقد انتشر في وسائل التواصل الاجتماعي فيديو يثبت كيف احترق مبنى مجلس المحافظة من داخله بينما كانت القوات الأمنية تحميه من الخارج وأبعدت المتظاهرين عنه؟
وإجمالا يمكن القول أن انتفاضة البصرة لن تتوقف بوعود فارغة، وسترغم الحكومة أن تلتفت لمعاناة أبنائها شاءت أم أبت، لأن الحريق ينذر بالامتداد لمحافظات جنوبية أخرى وصولا إلى العاصمة بغداد. والانتفاضة ذاتها تمكنت من فضح التخبط بين حكومة بغداد وحكومة البصرة والتناقض في تصريحاتهما وأفعالهما، وما حدث من صراع بين رئيس الوزراء ومحافظ البصرة في جلسة مجلس النواب خير دليل؟!
يبقى أن نقول إن الرسالة الغاضبة التي وجهها شعب البصرة لإيران بإحراق قنصليتها كانت كبيرة، بمستوى الأذى الذي تسببت به إيران للبصرة وأهلها، وهي لن تمر بسهولة عند الجار الشرقي المتربص غدراً بالعراق، وسيأتي الرد الانتقامي من البصرة عاجلاً أم آجلا.. لكن البصرة التي ثارت لن تسكت وسيكون ردها قاصماً فيما لو حاولت إيران أن تلوي ذراع البصرة مجددا!!
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة