العراق ينزلق لحرب.. هل تتوقف عند حدود كركوك؟
القوات العراقية تقدمت في محافظة كركوك وسيطرت على مواقع أمنية ومنشآت نفطية وسط مخاوف من اتساع رقعة المعارك.
في تطور هو الأخطر منذ إجراء استفتاء استقلال إقليم كردستان عن السلطة المركزية في بغداد الشهر الماضي، بدأت القوات العراقية التوغل في مدينة كركوك المتنازع عليها، ما يهدد بالانزلاق لحرب مفتوحة.
وكانت الحكومة المركزية في بغداد قد منحت للإقليم مهلة لسحب قوات البشمركة من كركوك التي لا تقع ضمن المدن الكردية الخاضعة للحكم الذاتي، لكنها باتت عمليا تحت سيطرة الإقليم منذ بدء المعارك ضد تنظيم داعش الإرهابي، كما شاركت في الاستفتاء الذي أجري أواخر الشهر الماضي وأثار غضب بغداد.
وأعلنت القوات العراقية المشتركة، اليوم الإثنين، سيطرتها على منشآت نفطية وأمنية، وطرق، وناحيتين واقعتين في الضواحي الجنوبية الغربية لمدينة كركوك.
وقالت سلطات إقليم كردستان، إن قوات تابعة للحكومة العراقية شنت هجوما فجر الإثنين على مواقع كانت تخضع لإدارة كردية بعضها داخل مناطق مأهولة، ما أدى إلى اشتباكات سقط فيها ما لا يقل عن 12 من القوات العراقية.
وأوضح بيان لمجلس أمن إقليم كردستان، وهو أعلى سلطة أمنية رسمية، أن "قوات الحشد الشعبي (قوات شبه نظامية) بدأت التحرك من ناحية تازة بجنوب كركوك (265 كم شمال بغداد) بهدف الاستيلاء على قاعدة كي وان العسكرية والحقول النفطية القريبة.
وتخضع القاعدة المذكورة والحقول النفطية والغازية في محافظة كركوك لإدارة على رأسها الكرد.
وقال بيان عسكري إن القوات العراقية انتزعت بالفعل السيطرة على قاعدة (كي وان) في كركوك من يد القوات الكردية.
وأظهرت مقاطع مصورة بثتها محطات تلفزيون كردية اشتباكات بالأسلحة الرشاشة وقصف مدفعي في وقت مبكر من صباح الإثنين، في وقت قال متطوعون مدنيون حملوا الأسلحة في مدينة كركوك وضواحيها إنهم سيقاتلون القوات العراقية في حال تقدمت أكثر، وسط أنباء عن انسحاب لقوات البشمركة إلى شمالي شرق المدينة.
وأضاف بيان مجلس أمن إقليم كردستان أن "قوات البشمركة صدوا تحركات آليات للقوات العراقية بمناطق جنوب كركوك، وتمكنوا من تدمير 5 آليات مدرعة أمريكية كانت بيد القوات العراقية".
وقال أحد قادة القوات الكردية (لم يذكر اسمه) إن "12 من أفراد ميليشيا الحشد الشعبي قتلوا وجثثهم لا تزال في مناطق الاشتباكات أثناء مهاجمتهم موقعا بجنوب كركوك.
بدوره، قال محافظ كركوك، نجم الدين كريم، في تصريح صحفي إن "قوات البشمركة وأهالي كركوك سيدافعون عن مدينتهم بكل ما أوتوا من قوة ولن يسمحوا لأي قوة باحتلال مدينتهم.
وأضاف قائلا إن "الرئيس (مسعود) بارزاني (رئيس إقليم كردستان العراق) وجّه قوات البشمركة بعدم المبادرة إلى قتال القوات العراقية، لكن في حال بادرت مليشيات الحشد الشعبي والجيش بالهجوم فإن البشمركة مخولة بالدفاع عن كوردستان بكل إمكاناتهم".
وأصدرت خلية الإعلام الحربي التابعة للحكومة العراقية بيانا أعلنت فيه عن انطلاق "عملية فرض الأمن في كركوك".
وأوضحت في أول متابعة ميدانية للتطورات أن القوات العراقية "سيطرت على معبر جسر خالد والسيطرة على طريق الرياض - مكتب خالد ومعبر مريم بيك والسيطرة على طريق الرشاد - مريم بيك باتجاه فلكة تكريت، كذلك سيطرت على الحي الصناعي وتركلان وناحية يايجي، كما وأخضعت منشاة غاز الشمال ومركز الشرطة ومحطة توليد كهرباء كركوك ومصفى بجانب منشاة الغاز لسيطرتها ومازالت القطعات مستمرة بالتقدم".
وقال شهود عيان في كركوك، إن قسما من قوات البشمركة الكردية انسحبت من مواقعها بجنوب كركوك وخاصة من مواقع "تل الورد"، و"تازة" وهو ما شجع قوات الحشد الشعبي التابعة للحكومة العراقية على التقدم.
وتبرز حالة الانسحاب هذه وجود اختلاف في موقف بعض القيادات الكردية من التعامل مع الحكومة العراقية والاستجابة لدعواتها بتمكين القوات العراقية والحكومة الاتحادية ببغداد من إدارة كركوك والمنشآت النفطية فيها ورفض نتائج الاستفتاء الذي أظهر تأييد نحو 93% للاستقلال، الأمر الذي رفضت بغداد الاعتراف به.
لكن رئيس إقليم كردستان، ونائبه كوسرت رسول علي، أحد أبرز داعمي الاستفتاء ونتائجه ويرفضان التخلي عن كركوك لتدار مباشرة من قبل بغداد.
وتدار محافظة كركوك لها اعتمادا على انتخابات محلية جرت قبل سنوات من قبل مجلس ائتلافي يضم الكرد والعرب والتركمان والمسيحيين فيما يترأس المحافظة كردي.
وتحسبا لتصعيد العمليات العسكرية، وصل نائب رئيس إقليم كردستان كوسرت رسول علي إلى مدينة كركوك على رأس قوة مؤلفة من 3 آلاف مسلح لتعزيز القوات الكردية المتواجدة بالمدينة.
وتقوم طائرات حربية يرجح أن تكون عائدة للولايات المتحدة الأمريكية بطلعات في سماء كركوك ومناطق خطوط التماس بين قوات البشمركة والقوات العراقية.
وقال عضو لجنة الأمن والدفاع بالبرلمان العراقي عن محافظة كركوك، شاخوان عبدالله، إن القوات التي هاجمت كركوك ومناطق بجنوبها مؤلفة من "مليشيا الحشد الشعبي والجيش العراقي".
وأشار في تصريح صحفي إلى أن القوات التابعة للحكومة الاتحادية العراقية دخلت أحياء سكنية أغلب السكان من الأكراد في بلدة "طوزخورماتو" الواقعة بين بغداد وكركوك، لافتا إلى أن اشتباكات تجري في البلدة بين الجانبين، متهما رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بإعطاء الأوامر للمليشيات والجيش مهاجمة القوات الكردية وحتى المدنيين، حيث زعم أن عناصر الحشد الشعبي أحرقت 20 منزلا تعود لأسر كردية في طوزخورماتو.
فيما قال صلاح دلو، وهو أحد مساعدي البارزاني في كركوك، إن المليشيات التي هاجمت المنطقة "ليسوا عراقيين فقط بل بينهم أجانب، معروف من يدعمهم"، في إشارة إلى مشاركة عناصر إيرانية.
وزار قاسم سليماني قائد مليشيا فيلق القدس الإيرانية التابعة للحرس الثوري أربيل منذ السبت الماضي لطرح وجهة نظر بلاده في الأزمة بين إقليم كردستان والحكومة المركزية في بغداد.
وفرضت بغداد سلسلة إجراءات عقابية بحق الإقليم بينها حظر الرحلات الجوية الخارجية من وإلى مطاراته، قبل أن تتطور إلى الخيار العسكري.
وتحظى الإجراءات التصعيدية العراقية ضد إقليم كردستان بدعم واضح من إيران وتركيا اللتان تتخوفان من أن يؤدي انفصال شمال العراق إلى تنامي قوة المعارضة الكردية لديهما وبروز دعوات انفصال مماثلة.
ويدعو الكرد إلى حوار غير مشروط مع بغداد لبحث كيفية فصل إقليم كردستان عن العراق، فيما تتمسك بغداد بشرط إلغاء نتائج الاستفتاء قبل الدخول في أي حوار لبحث الخلافات.