لبنان والعراق وإيران.. بين الثورات ومسؤولية الطبقات
ثورات لبنان والعراق وإيران لن تتوقف، وإن تراجع الشعب فترة فإنه سيعاود الكرّة حتى يفتح أبواب التغيير على مصراعيها.
اتسعت الهوة في عدد من الدول العربية والإقليمية، وتحديدا في لبنان والعراق وإيران، بين المحرومين الذين ينتمون لكل الطوائف والمذاهب، والحارمين؛ ما أسفر عن اندلاع ثورات غضب شعبية ضد السلطة اتسمت بالسلمية فيما تراوحت سبل مواجهتها من قبل السلطة بين استخدام العنف المفرط والمتوسط والضعيف.
فما الأسباب الواقعية لهذه الثورات؟ وهل تتصل حقا وحصريا بتدخلات أجنبية تلبس ثوب المؤامرة ضد الأنظمة الحاكمة في هذه الدول؟
للإجابة عن هذه التساؤلات لا بد من التوقف أمام عاملين يشكلان المقوم الأساسي لاستقرار المجتمعات وهما: أولا، إحساس الشعب وهو مصدر السلطات بأنه يعيش ضمن سيادة حقيقية، وثانيا، اعتقاد الشعب بوجود أمل في حياة مطمئنة له ولأبنائه من بعده يتم التعبير عنه بمشروع مبرمج ملموس.
أما مفهوم السيادة فيتألف من شقين: سيادة داخلية هي المرتكز والأساس وتتمثل في تعميم مفهوم المواطنة المتساوية على كل أفراد المجتمع وفئاته مهما بلغ تنوعها.
وسيادة خارجية تتجسد في منع التدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية لهذا المجتمع، وهذه السيادة الخارجية لا يمكن أن تتحقق إلا إذا استندت للسيادة الداخلية التي تصنع قوة الدولة وحصنها ومن دونها تنفتح أبوابها على الشهوات الأجنبية ومطامعها.
إذا أخذنا هذه المعايير وأسقطناها على الدول التي تشهد الثورات الشعبية الحالية فماذا نرى؟
في الوضع اللبناني لم تكن هناك سيادة بمفهومها الحقيقي، لا داخليا ولا خارجيا، فيما غاب الأمل عن معظم قطاعات الشعب اللبناني؛ فمنذ الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975 حتى مظاهرات 17 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، تم تهجير مقوم المواطنة واستيراد ولاءات للطائفة والمذهب والحزب.
وجرى إحلال الطائفية السياسية مكان الهوية الوطنية، فيما تقاسم كل "ممثل شرعي وحيد" لطائفته موارد الدولة مع الممثلين الوحيدين للطوائف الأخرى، وارتبط كل محور طائفي بقوة إقليمية أو دولية تسانده، وحرصت هذه القوى الخارجية على إبقاء هذه الانقسامات لتسهيل تدخلها متى تشاء.
وفي العراق، استفاق الشعب بعد الغزو الأمريكي والدولي، عام 2003، على انعدام السيادتين الداخلية والخارجية؛ فالدستور العراقي الجديد وضعه الحاكم الأمريكي برايمر بمعاونة ثلة من الانتهازيين من بينهم حزب الإخوان الذي تمثل بعضوين في لجنة الصياغة، والجيش العراقي تم حله، وسادت الطائفية السياسية على المفهوم الوطني بقوة الترعيب والانتقامات.
واعتلت الحكم طبقة فاسدة نهبت ثروات العراق بما فيها آثاره التاريخية، وأصبح العراق تحت حكم غير مباشر إيراني وأمريكي وبريطاني، فيما ساد الفقر معظم طبقات المجتمع، إلى درجة أن أبناء الجنوب لا يزالون ينامون في خيم الإيواء منذ 16 عاما حتى الآن.
أما في إيران فإن حرص نظام الملالي منذ عهد الخميني قبل 40 عاما حتى الآن على السيادة الخارجية وتشدده في ذلك، لم يجده نفعا؛ لأن السيادة الداخلية بقيت منتقصة بسبب استعلائه على سائر الطوائف والقوميات وغياب أي مشروع يطمئن الإيرانيين على مستقبلهم وانتشار الفساد وترحيل الموارد إلى مشاريع خارجية تخدم نظرية الطبقة الحاكمة في طهران بتصدير الثورة والتوسع الإقليمي.
وليس هناك شك في أن الطبقات الحاكمة في لبنان والعراق وإيران هي التي تتحمل المسؤولية كلها، فإذا كانت إسرائيل قد أكدت عبر مراسلات موسى شاريت ودافيد بن غوريون ضرورة إبقاء لبنان دولة طائفية، فما الدور الذي لعبته الطبقة الحاكمة للبنان في إصرارها على تغييب المواطنة وتعميم الطائفية السياسية؟
وإذا كان مخطط الشرق الأوسط الكبير قد نص على تقسيم العراق إلى 3 دول؛ فلماذا حذفت الطبقة الحاكمة فيه المساواة في الوطنية وحرصت على تجذير الانقسامات في الشمال وبغداد والجنوب؟
وإذا كان الحصار الغربي على إيران يهدف إلى تجويع شعبها فلماذا عمدت طبقة الملالي إلى نشر الفقر بين معظم الإيرانيين؟
لقد تعهد الرئيس السابق أحمدي نجاد للإيرانيين بأنهم سيجدون عوائد النفط على موائد طعامهم فإذا بهم يفقدون الطعام والموائد معا وتقفز نسبة البطالة عندهم إلى 60%.
ومن الطبيعي أن إلقاء التهم والتبريرات على التدخل الخارجي تحت لافتة نظرية المؤامرة لم يعد له التأثير المعتاد على الشعب؛ فالمثقفون والمستنيرون والقائمون على منظمات المجتمع المدني يدركون أن تدخلات الدول الكبرى والمتوسطة قديمة ودائمة وتبتغي تحقيق مصالح سياسية واقتصادية لكنها تتراجع أمام المجتمعات القوية.
ونموذج ثورة 30 يونيو في مصر هو الأكثر وضوحا؛ حيث وفرت القيادة للشعب المصري عقب الثورة مقومات المناعة، سواء بالتشدد في احترام استقلالية القرار الوطني والقومي، وفي تعزيز روح المواطنة المتساوية وفي ترسيخ مقومات الدولة ومؤسساتها وغرس الأمل في نفوس المواطنين عبر مشروع نهضة يتلمسونه يوما بعد يوم.
ولذلك، فإن ثورات لبنان والعراق وإيران لن تتوقف، وإن تراجع الشعب لفترة فإنه سيعاود الكرّة حتى يفتح أبواب التغيير على مصراعيها حيث لم يعد لدى هذا الشعب مقدسات سوى الحرية والعيش الكريم في دولة عادلة ضامنة لاستقرار الحياة وواعدة للأجيال المقبلة.. دولة محترمة وموثوقة من قبل شعبها أولا لتستطيع فرض احترامها على المجتمع الدولي.
aXA6IDE4LjExOS4xNjIuMjI2IA== جزيرة ام اند امز