الانفجار السكاني في العراق.. أزمة مستقبل أم ثرثرة فوق آبار النفط؟
يهدد الانفجار السكاني العراق بأزمة مستقبل، فالبلد النفطي يعاني من مشكلات اقتصادية عديدة تحتاج إلى حلول عاجلة ويتصدرها الانفجار السكاني.
وتبرز بين الحين والآخر، دعوات وتحذيرات لتدارك مصير الأجيال القادمة في العراق في ظل ارتفاع مستوى النمو السكاني وتجذر الاقتصاد الريعي في البلاد باعتماد النفط المورد الرئيسي الذي يشكل أكثر من 85 % من مجموع الدخل القومي.
وسجل العراق خلال الأعوام الـ10 الأخيرة زيادة سكانية بلغت نحو 9 ملايين فرد، وبذلك يكون مجموع تعداد البلاد نحو40 مليوناً، في وقت تعاني البلاد من مشاكل كبيرة ومعقدة على مستوى توفر الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والماء والسكن.
التعداد السكاني للعراق
ووفقاً لإحصائيات الأمم المتحدة عام 2020، يأتي العراق في المرتبة الـ36 على مستوى العالم من حيث التعداد السكاني، والرابع بين الدول العربية.
ويشير تقرير للبنك الدولي إلى أن نحو 13 مليون عراقي، يكسبون يومياً أقل من دولارين، ونسبة الفقر في العراق وفقاً لوزارة التخطيط بلغت 25%، فيما تتحدث بيانات وتقارير عراقية مختصة بالتنمية والاستراتيجيات عن اقتراب نسب من 30%.
كان الرئيس العراقي برهم صالح، أطلق تحذيراً في يونيو/حزيران الماضي، دق فيه جرس الإنذار ومغبة البقاء تحت رحمة الاعتماد على النفط.
وأشار صالح إلى أن "الاحتياطات الهائلة للنفط في العراق ودول المنطقة لن تؤمن مستقبل أجيالنا"، متوقعاً أن يصل العراق إلى "زيادة سكانية تصل إلى 80 مليونا بحدود 2050".
وكان قبل ذلك، بنحو شهر، أكد وزير التخطيط ، نجم البتال، أن العراق يشهد زيادات سكانية كبيرة، لا تتناسب مع حجم الموارد، في وقت تشكل فئة الشباب الشريحة الأكثر مع انعدام فرص العمل.
سوء التخطيط
وتعزو النائبة ندى شاكر جودت، عضو لجنة الاقتصاد والاستثمار النيابية، أسباب ذلك التعقيد إلى سوء التخطيط وغياب الرؤية الاقتصادية التي عاشها العراق ما بعد 2003.
وتوضح جودت لـ"العين الإخبارية"، إن بوجود الفقر والبطالة لا يمكن تحقيق استقرار حقيقي وبالتالي إن البنى الاجتماعية وليس الاقتصادية فقط مهددة بالمخاطر جراء فقدان فرص العمل وغياب أبسط الظروف الملائمة التي من شأنها توفير حياة كريمة".
وكانت وزارة التخطيط العراقية قد أعلنت في وقت سابق، أن عدد سكان العراق لعام 2020، بلغ 40 مليوناً و150 ألف نسمة، موزعين بواقع 50،5% للرجال و49،5% للنساء.
وبحسب تقرير أصدرته التخطيط، فإن أكثر من 68 بالمئة من سكان العراق هم دون سن الثلاثين، فيما وصلت نسبة السكان من الأطفال دون سن الخامسة عشرة إلى نحو 40 بالمئة، في حين بلغت نسبة السكان في سن العمل، أكثر من 57 في المائة، وانخفضت نسبة كبار السن، إلى 3 في المائة.
زياد سكانية على ذمة النفط
يشير المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء، مظهر محمد صالح، إلى أن "الزيادة السكانية في العراق خلال العقد الأخير باتت تمثل أهم التحديات الكبيرة التي تواجه الاقتصاد في ظل الإبقاء على النفط مصدرا رئيسا وأساسيا في تدوير حركة المعاشات وتوفير الرواتب".
ويضيف صالح لـ"العين الإخبارية"، إن "مستويات الزيادة السكانية في العراق ما زالت تؤشر نموا مرتفعا بنحو 2.6 % سنوياً، وهو الأعلى عالميا"، مبيناً أن "التسليم وتعزيز الثقة بالمدخلات الوطنية العائدة من النفط لا يمكن التعويل عليها كثيرا كون أن الطاقة المتجددة ستقلل في المستقبل القريب من الاعتماد على المصادر الأحفورية".
ويلفت صالح ، إلى أن "أي عارض طارئ في السوق العالمية للنفط يفرض حالة من الركود وانخفاض الطلب سيهدد القدرة الشرائية للأغلب الأعم من العراقيين ستنخفض بشكل كبير كون أن الدولة تعتمد على تلك الواردات في تأمين رواتب للمواطنين".
ويشير المستشار الاقتصادي، إلى أن هناك 8 ملايين عراقي يستلمون رواتب أو منحا من الدولة أي "أن متلقي الدخل يضمنون معيشة خمسة أفراد" بشكل كامل تقريبا.
مصادر قوة
من جانبه، يرى الخبير الاقتصادي، عمار صالح، أن معدات النمو السكاني في البلدان الغنية بالثروات تعد مصادر قوة إلا أن العراق مستثنى من القاعدة العامة.
إذ أن الفساد وهدر مليارات الدولارات والمحاصصة التي ضربت البلاد كما يقول صالح لـ"العين الإخبارية"، عمدت إلى تحويل الازدياد السكاني لإثقال عبء على كاهل الدولة العراقية.
ويؤكد صالح، أن نسب النمو السكاني في العراق من الممكن استيعابها إذا ما كان هنالك برنامج حكومي يرتكز على رؤية اقتصادية علمية واقعية في توجيه موارد الدولة نحو القنوات والمسارات الناجعة والمناسبة.
وتقترب النائبة ندى جودت من ذلك الرأي ، إذ تؤكد أن "العراق لديه القدرة على احتواء أكثر من أعداد السكان الحاليين في حال توفرت إدارة وإرادة سياسية صحيحة".
تحديد النسل أم الذهاب نحو الانهيار ؟
مع ارتفاع معدلات النمو السكاني التي يشهدها العراق منذ 10 سنوات، وتراجع مستويات الاقتصاد والتنمية وما ترافق معها من سوء خدمات وفرص حياة مستقرة، كانت هنالك دعوات تظهر وتخبو بين الحين والأخر تطالب بـ"تحديد النسل".
المختص بالشؤون الديموغرافية، حامد عطا، يشدد على ضرورة الذهاب باتجاه ترشيد سكاني ورسم سياسيات من شأنها مواجهة ذلك النمو الذي بات يهدد مستقبل الأجيال اللاحقة .
ويبين عطا لـ"العين الإخبارية"، أن "سياسات الترشيق باعتماد تحديد النسل يتطلب إرادة وطنية شجاعة وقادرة على مواجهة أعراف وتقاليد ترى أن تكاثر الأبناء احد مصادر القوة والفخر".
ويعطف بالقول: "إن الكثير من الدول اعتمدت إجراءات تحديد النسل واستطاعت أن تستوعب الزيادات السكانية ومقاربتها مع الموارد المتاحة في بلدانها وبما يضمن تخطيط بنائي استراتيجي يحقق التوازنات العامة لسنوات تمتد منها لعقود".
فيما يعزو وزارة التخطيط على لسان متحدثها، عبد الزهرة الهنداوي، إلى عدم وجود سياسة خاصة لتحديد النسل في البلد، بسبب مواجهة هذا الموضوع مشكلات عدة حال تم تطبيقه أو تشريعه.
ويضيف الزهراوي، أن "غياب السياسات الخاصة بتحديد النسل، أن “الدول التي اتجهت نحو هذه السياسات تواجه مشكلات وأصبحت هناك فجوة في تلك المجتمعات، إذ تعاني من نقص القدرات الشبابية القادرة على العمل، وأصبحت مجتمعات هرمة وشائخة".