ثورة الشباب العراقي نموذج جديد من ثورات العالم، ثورة أنصار النظام، الذين يحكم النظام باسمهم وباسم طائفتهم
كأن العراق سقط من ذاكرة العرب، وكأن مآسيه المتتالية المتوالية منذ أربعة عقود قد جعلت العقل العربي يحرف النظر عن العراق العظيم، وشعبه العبقري الصابر المحتمل منذ آلاف السنين. انشغل العرب بمظاهرات السودان والجزائر ولبنان، ولم يلق العراق نفس الاهتمام؛ إلا من منصات إعلامية وقنوات فضائية محدودة؛ مثل بوابة العين الإخبارية، وفضائيات العربية والحدث وسكاي نيوز عربية، أما باقي الإعلام العربي التقليدي والحديث لم تلتقط أقماره الصناعية إشارات بث الشباب العراقي؛ الذي يسطر أعظم وأشجع ملحمة للتحرر من أقوى وأقسى وأعمق سلطات التحكم في العقول والقلوب، فقد ثار الشباب العراقي ضد هيمنة السلطة والسطوة الداخلية والخارجية المبررة بأقوى روحانيات الدين، والتي يسوق لها ويغطيها ويحميها رجال كهنوت ينسبون أنفسهم شكلاً وموضوعاً لأضعف نقاط الضعف في قلب المسلم، ينسبون أنفسهم لآل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولسيد شباب أهل الجنة وسيد شهداء البشرية الحسين بن فاطمة وعلي عليهم السلام.
ما لم ينتبه له الإعلام العربي جديده وقديمه أن ما يحدث في العراق ثورة على كهنوت ولاية الفقيه وعملاء ولاية الفقيه وفساد ولاية الفقيه والخائنين لأوطانهم التابعين لمرجعيات ولاية الفقيه، هذه الثورة يقودها ويشعلها بدمائه الطاهرة شباب المجتمعات الشيعية في العراق، الشباب الذي تربى في بيوت تبجل وتحترم وتقدس كل رموز التشيع الإيراني. هذا الوعي العميق الذي يليق بالعراق العظيم لم يحدث في أي مكان في العالم العربي.
إنه العراق الذي علّم البشرية الحرف والكتابة والعلم والمعرفة، الذي سطر أول حرف في كتاب القانون البشري، العراق الذي ابتكر وأبدع على مر التاريخ يقدم درساً جديداً للبشرية، حين يثور الشباب في مجتمع تحفر فيه الطائفية خنادقها، وتتوزع الانتماءات والولاءات على الخطوط الطائفية، يثور هذا الشباب الذي نشأ وتربى في أجواء طائفية مقيتة تتغذى على دماء الخصوم، وتضخ كل عداوات التاريخ في قلوب وعقول النشء.. هذا الشباب العظيم ثار على طائفته، على بيته الشيعي على جماعته، على الكهنة الذين يبيعون له صكوك الغفران، ثار من أجل القيم العليا في العدل والحرية وكرامة الأوطان، والتحرر من التبعية للخارج؛ حتى وإن كان الخارج هو إيران التي تقدم نفسها حامية العالم الشيعي.
التوكتوك العراقي هزم الدولة الطائفية في العراق التي تخلّت مؤسساتها عن دورها الإنساني، فلا تكاد ترى سيارة إسعاف حكومية واحدة بين المتظاهرين الذين تمطرهم عصابات الحشد الشعبي الإيراني بوابل من الرصاص، وقنابل الغاز الحارقة للرؤوس، وإنما تجد عشرات سيارات التوكتوك تخترق الحشود وتنقل الجرحى، وتحمل الدواء والأطباء
ما يحدث في العراق لم يخطر ببال شباب تنظيم الإخوان الذين شاهدوا بأم أعينهم فشل قيادتهم، وخواء فكرهم، وفسادهم، وضعف قدراتهم، وكارثية قراراتهم، ولكنهم تحولوا إلى أولتراس إخواني؛ مثل مشجعي النوادي الرياضية، والأدهى والأمر أن ترى شبابا في مجتمعات لم تعرف من الإخوان إلا الصورة والدعاية التي يسوقها التنظيم، تتحمس لهم وتبيع أوطانها من أجلهم، فتجد الشباب في العديد من الدول في شمال أفريقيا والشام ومصر ولاؤهم لرجب طيب أردوغان أكثر من ولائهم لأوطانهم، وتعلقهم بقيادات الإخوان الفاشلة في مصر أكثر من تعلقهم بحكامهم، ودفاعهم عنهم يفوق الخيال، وكرههم لخصومهم يتجاوز حدود المنطق والمعقول.
شباب العراق العظيم أعاد الاعتبار لذلك المخلوق الغريب المسمى "التوكتوك" الذي تعمل حكومة مصر على التخلص منه؛ لأنه تحول إلى وسيلة للفوضى والجريمة والإهمال، وإزهاق الأرواح، وإرباك الشارع، وتهديد حياة الناس.. التوكتوك في العراق صار له دور آخر وطعم آخر، التوكتوك العراقي الذي يغلب عليه اللون الأصفر صار رمزا لثورة شباب العراق، تراه بين الشباب يخترق الصفوف يقدم الدعم، وينقل المصاب، ويداوي الجريح، التوكتوك العراقي هزم الدولة الطائفية في العراق التي تخلت مؤسساتها عن دورها الإنساني، فلا تكاد ترى سيارة إسعاف حكومية واحدة بين المتظاهرين الذين تمطرهم عصابات الحشد الشعبي الإيراني بوابل من الرصاص، وقنابل الغاز الحارقة للرؤوس، وإنما تجد عشرات سيارات التوكتوك تخترق الحشود وتنقل الجرحى، وتحمل الدواء والأطباء، وكل مستلزمات واحتياجات الشباب الثائر على الاستعمار الإيراني وأعوانه في بغداد وكربلاء والنجف الناصرية والعمارة والبصرة وكل مدن أحرار العراق شيعة الجنوب الذي قادوا ثورة العشرين ضد الاحتلال الإنجليزي.. عادت أجيالهم التي يجري في عروقها دم الأحرار تنتفض ضد الاستعمار الفارسي المبرر بالدين والكهنوت وأصحاب العمائم.
ثورة الشباب العراقي نموذج جديد من ثورات العالم، ثورة أنصار النظام، الذين يحكم النظام باسمهم، وباسم طائفتهم، وكان المتوقع أن ينحازوا له، إلا أنهم انحازوا للقيم الإنسانية العليا في الحرية والعدالة والكرامة والتحرر الوطني لكل أبناء العراق، بكل أديانه وأعراقه وطوائفه، إنها ثورة على الذات، وهذه أعظم الثورات.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة