"سنحتل روما" كان الداعشي رافعاً سكينه باتجاه البحر ، كان ذلك عندما أعدم تنظيم الدولة 21 قبطياً مصرياً على سواحل ليبيا عام 2015
"سنحتل روما" كان الداعشي رافعاً سكينه باتجاه البحر ، كان ذلك عندما أعدم تنظيم الدولة 21 قبطياً مصرياً على سواحل ليبيا عام 2015 ، في ذلك الوقت هل بلغ غرور التنظيم الوحشي مبلغ إطلاق تهديد بهذا الحجم؟ أم كان هذا التصريح ضمن أجندة داعش؟ أم هي أحد أساليب البروباغاندا الإعلامية التي احترفها الدواعش؟ وهل نشاهد اليوم نهاية هذا الكابوس الأسود أم أنه متوارٍ في الظل يتحيّن الفرصة المناسبة ليعود من الرماد كعودة طائر الفينيق؟
عام 2015 كانت داعش في قمة أوجها، حيث كانت تسيطر وتدير أرضاً شاسعة في العراق وسوريا، توازي في حجمها المملكة المتحدة، تسيطر على مقدرات هذه الأرض وترهب ساكنيها وتعلن قيام خلافتها المزعومة عليها، وأعلنت عن ميزانية سنوية تصل إلى مليار دولار واستقبلت عشرات الآلاف من الإرهابيين من شتى أصقاع الأرض، ومن ثم رفعت شعار "باقية وتتمدد"؛ لتعبّر بذلك عن هدفها التوسعي، ومن ثم تعلن عن قيام ولايات تابعة لها في ليبيا وسيناء ونيجيريا، وفي الحقيقة هو إعلان تنظيمات جهادية مختلفة بيعتها للخليفة المزعوم للاستفادة من القيمة المعنوية والدعم المادي من التنظيم المركزي في سوريا والعراق، و تبادرت العديد من التساؤلات عن مدى واقعية هذه الدولة؛ ومدى كفاءتها وقدرتها على التمدد أو حتى البقاء.
عودة "داعش" لإقامة دولة للخلافة أصبح أمراً في غاية الصعوبة، ولكن ليست بالمستحيل، ولن يتردد قادة داعش في استغلال أقل الفرص للعودة لقيام دولتهم، ويقع على عاتق المجتمع الدولي منع قيام دولة أخرى للخلافة في سوريا أو ليبيا أو غيرهما، وقطع الطريق على الدول التي تتغذى على الفوضى والمتنفعة من صعود التنظيمات المتطرفة
مع توالي الهزائم العسكرية المتلاحقة التي مُني بها الدواعش في العراق وسوريا، وانهيار دولة الخلافة وتواريها في الظل وانحسار سيطرتها الجغرافية إلى أراضٍ محدودة في بادية الشام، والمصير المجهول لقائد التنظيم وخليفته أبوبكر البغدادي الذي تُمثل بيعته السبب الوجودي لدولة الخلافة، أدى هذا الانكسار إلى أن يقوم التظيم بإعادة حساباته وترتيب أوراقه والتفكير في الخطوات القادمة التي من شأنها أن تضمن له البقاء فضلاً عن التمدد.
رشحت العديد من التحليلات أن ليبيا قد تكون المسرح القادم لعودة تنظيم داعش، وأعني بالعودة هنا – حالة شبه الدولة التي كان يعيشها في 2014 وحتى 2015 - فوجود الآلاف من المقاتلين الأجانب و وضع يدهم على المنشآت النفطية في ليبيا قد يشكل مورداً مالياً مهماً يمكّنهم بذلك من البقاء والعودة إلى خشبة المسرح، خصوصاً مع حالة عدم التوازن التي تعيشها ليبيا وقيام تحالفات بين المليشيات المسلحة والتنظيمات الجهادية، و الدور الخجول لحكومة الوفاق التي يرأسها فائز السراج، إلا أن الدور الميداني للجيش الوطني الليبي الذي يرأسه خليفة حفتر ساهم في إضعاف حظوظ داعش، خصوصاً بعد تحرير مدينة سرت من قبضة التنظيم واستمرار الغارات الجوية على عناصر التنظيم. وكذلك هو الحال في سيناء المصرية فعمليات الجيش المصري أفشلت خطط التنظيم الطامحة إلى السيطرة على رقعة جغرافية تقيم عليها أرض الخلافة البديلة، هذا بالإضافة إلى شح الموارد فيها و قربها من الحدود الإسرائيلية، هذه الحسابات جعلت من عودة الخلافة في سيناء المصرية أمراً مستحيلاً.
أما عن نيجيريا فبوكو حرام، وعلى الرغم من إعلانها بيعتها لدولة خلافة البغدادي، إلا أن المراقبين يرون أن هذه البَيعَة لا تتجاوز الصفة الرمزية، وأن جماعة بوكو حرام دائماً ما تمتعت بقدر عال من الاستقلالية في اتخاذ قراراتها وتنفيذ عملياتها، كما أنها لا تشكل وجهة مطلوبة لقادة التنظيم المركزي لداعش، فوجودهم في أرض كليبيا أو مصر يضمن لهم بقاء مناصبهم القيادية في حين أن انتقالهم إلى نيجيريا سيحولهم من متبوعين إلى تابعين.
كما تبرز هناك فرصة لقيام "دولة الخلافة" مرة أخرى في سوريا، فها هو نظام أوردوغان يقدم خدمة جديدة لتنظيم داعش تضاف إلى خدماته القديمة التي قدمها مع بداية ظهور التنظيم من تسهيل مرور المقاتلين والجهاديين الأجانب وإنشاء خلايا الدعم اللوجستي وشراء المحاصيل والنفط المهرب من الأراضي التي كان يسيطر عليها تنظيم داعش، قبل أن ينتهي شهر العسل بين أردوغان وداعش في عام 2016، وما تبع ذلك من هجمات انتحارية، كالهجوم على المطعم السياحي و الهجوم على مطار إسطنبول من جهة، والحملات العسكرية التركية ضد التنظيم من جهة أخرى، أما عن خدمته الجديدة فهي باستهدافه لقوات سوريا الديموقراطية التي شكلت رأس الحربة في عمليات التحالف الدولي ضد داعش، فقد ساهم تدخل أردوغان في تخفيف الضغط عن فلول الدواعش بعد هزائم متكررة ومتسارعة على أيدي القوات الكردية.
في ظل المعطيات السابقة يتبين أن عودة "داعش" لإقامة دولة للخلافة أصبح أمراً في غاية الصعوبة، ولكن ليست بالمستحيل، ولن يتردد قادة داعش في استغلال أقل الفرص للعودة لقيام دولتهم، ويقع على عاتق المجتمع الدولي منع قيام دولة أخرى للخلافة في سوريا أو ليبيا أو غيرهما، وقطع الطريق على الدول التي تتغذى على الفوضى والمتنفعة من صعود التنظيمات المتطرفة سواء أكانت داعش أم القاعدة أم حزب الله أو الحوثي.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة